هكذا سوّلت له نفسه لتقرير الشرك ونقض التوحيد، ولكن الله يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المشركون.
أقوال المحققين:
وهنا يحسن إيراد بعض ما قاله العلماء المحققون في هذا الباب ليقف إخواننا المليباريون خاصة والمسلمون عامة على حقيقة الأمر في الموضوع:
وهو "أن كل عمل يعمله الإنسان تتوقف ثمرته ونجاحه على حصول الأسباب التي اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون مؤدية إليه، وانتفاء الموانع التي من شأنها بمقتضى الحكمة أن تحول دونه، وقد مكن الله تعالى الإنسان بما أعطاه من العلم والقوة من دفع بعض الموانع وكسب بعض الأسباب وحجب عنه البعض الآخر، فيجب علينا أن نقوم بما في استطاعتنا من ذلك، ونبذل في إتقان أعمالنا كل ما نستطيع من حول وقوة ونتعاون ويساعد بعضنا البعض على ذلك، ونفوض الأمر فيما وراء كسبنا إلى القادر على كل شيء ونلجأ إليه وحده ونطلب المعونة المتمّمة للعمل والموصلة لثمرته منه سبحانه دون سواه؛ إذ لا يقدر على ما وراء الأسباب الممنوحة لكل البشر على السواء إلا مسبب الأسباب ورب الأرباب، فقوله تعالى: ﴿ وإياك نستعين ﴾ متمم لمعنى قوله ﴿ إياك نعبد ﴾ لأن الاستعانة بهذا المعنى فزع من القلب إلى الله وتعلق من النفس به وذلك مخ العبادة، فإذا توجه العبد بها إلى غير الله تعالى كان ضرباً من ضروب العبادة الوثنية التي كانت ذائعة في زمن التنزيل وقبله، وخصت بالذكر لئلا يتوهم الجهلاء أن الاستعانة بمن اتخذوهم أولياء من دون الله، واستعانوا بهم فيما وراء الأسباب المكتسبة لعامّة الناس، هي كالاستعانة بسائر الناس في الأسباب العامة، فأراد الحق جلّ شأنه أن يرفع هذا اللبس عن عباده ببيان أن الاستعانة بالناس فيما هو في استطاعة الناس إنما هو ضرب من استعمال الأسباب المسنونة، وما منزلتها إلا كمنزلة الآلات فيما هي آلات له بخلاف الاستعانة بهم في شؤون تفوق القدر والقوى الموهوبة لهم، والأسباب المشتركة بينهم كالاستعانة في شفاء المرضى