... وإذا كان اللفظ هو سبيل المعنى فإن أداء اللفظ هو سبيل إخراجه، وإبانتُه هو طريق إدراكه، فالقدح في اللفظ قدح في المعنى، والخلل في أداء اللفظ خلل في اللفظ ذاته. فقد اجتمع من هذا الارتباط: أهمية كل واحد من الثلاثة (المعنى، اللفظ، أداء اللفظ) للآخر، وشدة تعلق كل بالآخر، والمُطَلُّعُ على مفاهيم اللغة، ودلالات الألفاظ، يعلم اعتراء التغير فيها بمجرد تغير أدائها، فكيف تغير لفظها؟ (١).
... وكانت الجهود الكثيفة التي وجهت للاعتناء بلفظ القرآن الكريم، وطريقة أدائه مكونة الإطار الواقعي لحقيقة الحفظ الإلهي قد بدئت من لدن جبريل - عليه السلام - الذي علم النبي - ﷺ - أضرب الوحي يقدمها الوحي القرآني، وبقيت هذه الجهود متتابعة إلى أيامنا، نقلاً للفظ القرآن، وطريقة أدائه، وهيئات ضبطه، وسبل رسم ألفاظه، ودروب الوقف والابتداء في آياته، وعدد تلك الآيات، وأزمنة حفظه، ومراجعته، وقراءته، وإقرائه... وهذه ونحوها جهود من حيث المحافظة على اللفظ.

(١) وهذا على تفصيل في أنواع الأداء؛ إذ منه ما يرجع إلى الصفات الذاتية للفظ، فلا يستقيم اللفظ بدونها كالاستعلاء، والاستفال، والجهر، والشدة... ومنه ما يرجع إلى الصفات العارضة كالتفخيم، والترقيق، والفتح، والإمالة؛إذ هي راجعة إلى الاستعلاء، والاستفال... فلا يتأثر أصل اللفظ بأدائه هنا، بل إن الدراسات الصوتية، والملاحظات العابرة لهيئات أداء الكلمات، ونطق الجمل، قد أثبتت تغير المعنى بتغير الهيئات الفرعية للأداء، كتغير النبر، وهو من الهيئات الموغلة في الفرعية من حيث نطق الألفاظ، انظر: د. يوسف الخليفة أبو بكر: البحث التربوي واللغوي في مجال تعليم القرآن الكريم، بحث منشور في مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، العدد الأول، ذو القعدة ١٤١٥هـ.


الصفحة التالية
Icon