٢- ينخلع النبي - ﷺ - من قدرته البشرية عند رؤيته الملَك، وسماعه الوحي مع بقائه على خلقته البشرية، فالمراد انخلاع القوى الباطنة، لا الخلقة الظاهرة (١)، فالرؤية والسماع يكونان من المركزين المباشرين للسمع والبصر في الفؤاد؛ إذ ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ "النجم/ ١١" (٢) ؛ولذا كان - ﷺ - يأتيه الوحي شديداً عنيفاً؛ إذ يتوجب عليه بذل قُوى فوق الطاقة البشرية للسماع غير المعتاد بشرياً، والرؤية غير المعتادة بشرياً، والملكة القوية في الحفظ مما لا يعتاد بشرياً، زيادة في التأكيد على المحفوظ إذ كان ذلك من لوازم جمعه في صدره، وليتمكن من رؤية جبريل - عليه السلام - وسماعه، وهو ما لا يراه من حوله، ولا يستطيعون سماعه (٣)،

(١) فلا يَرِدُ على هذا الكلام القول بالتناسخ، أو قدرة البشر على التشكل؛ إذ ذاك ليس لهم، ولا في إمكانهم، وينبغي أن يفسر كلام العلماء الذين سينقل عنهم –بعد قليل- في هذا الموضوع بهذا التفسير؛ إذ إن بقاء النبي - ﷺ - في خلقته البشرية آن نزول الوحي عليه ثابت تواتراً كما يُلاحظ ذلك في النصوص التي ترد في هذا البحث.
(٢) وما علاقة ذلك بمركزي السمع والبصر الكائنين في الدماغ ؟، محل نظر وبحث بدأت بعض الإشارات العلمية بالتلميح إليها، والمستقبل واعد بمزيد تجلية لهذا الموضوع.
(٣) وقال الأصفهاني في أوائل تفسيره: "اتفق أهل السنة والجماعة على أن كلام الله - سبحانه وتعالى - منزل، -إلى أن قال مبيناً أن الله - عز وجل - عَلَّم جبريل - عليه السلام - كيفية قراءة كلامه في السماء وهو ما سبق في المباحث الماضية- ثم جبريل - عليه السلام - أداه في الأرض وهو يهبط إلى المكان، وفي ذلك طريقتان:
إحداهما: أن النبي - ﷺ - انخلع من صورة البشرية، إلى صورة الملكية، وأخذه من جبريل - عليه السلام -، وثانيهما: أن الملك نخلع إلى البشرية حتى يأخذه النبي - ﷺ - منه، والأولى أصعب الحالين" فتح الباري ٣/١٢٣، مرجع سابق، ولا شك أن الصورتين واردتان كما في حديث الحارث بن هشام المتقدم ص٦٨.


الصفحة التالية
Icon