- وغير خافٍ أن المقتضى المنهجي هنا يجب أن يتركز في أن جهود الحفظ البشرية الضخمة للقرآن الكريم خلال القرون، المؤيدة بالرعاية الإلهية إنشاء، وإعداداً، وإمداداً، ومتابعة، يجب أن تساوي في وزنها وتركيزها هذه اللحظات التي يتلقى فيها النبي --. وبعد ذلك يكون النزول بالقرآن على قلب النبي --، وهو المطلب الثاني.
المطلب الثاني: النزول على القلب (١) : إن إلقاء جبريل - عليه السلام - ألفاظ القرآن على النبي - ﷺ - لا يكون خطاب فمٍ لفم، بل قراءة فمٍ على قلب ﴿ عَلَى قَلْبِكَ ﴾، فلا يكون ثم أي ضعفٍ للبشر، ولا نقصٍ يتسم به البشر، ولا لجلجةٍ تصحب إدراك البشر؛ إذ القراءة موجهة إلى مركز إدراك البشر مباشرة، وهو المركز الذي نزع منه جبريل - عليه السلام - حظ الشيطان، وملئ حكمة (٢)... فينخلع النبي - ﷺ - عندها من بشريته، وهو بشر! أي ينخلع من القدرات البشرية المحدودة مع بقائه على خلقته البشرية... وذلك لإزالة أدنى خاطر يخطر على حائم حوله الشياطين، من أن محمداً - ﷺ - قد يفقد حرفاً من هول الموقف، أو من تأثير الطبيعة، ولذا كان هذا التصوير الدقيق لنزول القرآن على محمد - ﷺ - ﴿ عَلَى قَلْبِكَ ﴾، وأُكِّدَ عليه في القرآن مرتين: في "سورة البقرة/٩٧"، وفي "سورة الشعراء /١٩٤".
المعنى: لم تخرج أقوال المؤولين فيها على أمرين:

(١) أفرد بالعنونة لجلالته، وعظيم خطره.
(٢) انظر: الفصل الثاني - المبحث الثاني.


الصفحة التالية
Icon