وقد فتح الله –تعالى ذكره- أذهان البشرية في عصرها الحاضر على حقائق علمية ضخمة تقرب لنا سر نزول جبريل - عليه السلام - بألفاظ القرآن على قلب النبي - ﷺ -، فإن جبريل - عليه السلام - تعدى أداة التوصيل السمعي لدى البشر وهي الأذن الخارجية إلى مركز السمع مباشرة، وأداة التوصيل البصري لدى البشر وهي العين الخارجية إلى مركز البصر مباشرة... ويزيد هذا تقريباً أن يقال: لما كان القلب يتلقى الصوت كما يرى الصورة في المنام... والجارحة المباشرة من عين وأذن نائمة مغطاة... ثم إذا استيقظ تذكر كله في اليقظة... وقد جاء التشريح الطبي مؤكداً حقيقة مراكز السمع والبصر، وأنها مراكز في المخ تعي ما يصل إليه عن طريق الجوارح كما تعي ما يصل إليها عن طريق الرؤى المنامية، وما قد كُشف يقرب لنا ما لم يكشف مما قد غاب عنا، وقد كانت أُولى مراحل الوحي التي هيأ بها النبي - ﷺ - لتلقي الوحي المباشر هي الرؤى المنامية الصادقة، ثم رؤيته للملَك في منامه كما سبق تفصيل ذلك في الفصل الثاني، وحالة الوحي في النوم مقربةٌ لحالة الوحي في اليقظة... مما قد يقرب لنا فهم كيفية الوحي وحدوثه، واستيعاب كيفية تلقي النبي - ﷺ - للوحي بواسطة الاتصال بعالم الملائكة... بطريقة يرى الصحابة آثارها في النبي - ﷺ - من تصبب العرق في اليوم الشديد البرد، وترجيع اللسان، وثقل جسم النبي - ﷺ - (١) دون أن تشاهد أبصارهم صورة الملك، أو تسمع آذانهم صوته... لأن الاتصال كان في مستوى لا يدركونه، ولكنهم يسمعون قرآناً معجزاً لا تنقضي عجائبه، ولا تشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد.

(١) انظر: المبحث الخامس من هذا الفصل.


الصفحة التالية
Icon