وثانيها: أن على مؤكدة للإنزال من أعلى إلى أدنى: كما قال تعالى في آل عمران ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا... ﴾ "آل عمران /٨٤" فالخطاب للنبي - ﷺ - مُوَجَه، والمُنْزَل إنما هو مُنْزَلٌ عليه من السماء إلى حيث هو، بخلاف آية البقرة ﴿ قُولُوا ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا... ﴾ "البقرة/١٣٦" فإن الخطاب لصحابته، ثم لأمته –من بعد- والإنزال إنما يكون إليهم؛ إذ يتضمن حرف ﴿ إلى ﴾ معنى المجاورة، ويجعل فعله يتضمن معنى الإيصال، فليس ثم أعلى ولا أدنى، كأنهم قالوا: آمنا بالله وما أنزل على رسوله مما وصل إلينا... لأنه إنما وصل إليهم من محمد - ﷺ - وهو بجوارهم لا فوقهم، ولكن لارتباطه بأنزل أفاد أمراً آخر -لاقتضاء الإنزال أعلى وأدنى- هو أن الوحي أُنزل على غير المخاطبين ثم وصل إليهم... فقد تضمن الفعل: أنزل، والحرف ﴿ إلى ﴾ ذلك ببلاغة بديعة، وإعجاز عظيمٍ... ومن أسراره أنهم جعلوا -بهذا التعبير- ما أنزل على الرسول - ﷺ - هو ذاته ما وصل إليهم دون ريب... ومعلوم أن التضمين عند العلماء مُقَدَّمُ على تبادل الحروف (١).
وثالثها: أنه قال على ولم يقل (في) لئلا يتوهم أن جبريل - عليه السلام - ألقى القرآن في قلب النبي - ﷺ - دون سماع، وسيأتي مزيد تفصيل له -إن شاء الله تعالى– (٢).
إعداد القلب مسبقاً:
(٢) انظر: المبحث السابع من هذا الفصل.