فاجتمع في قوله ﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ : نزول جبريل - عليه السلام - بالقرآن عن أمر الله السابق، ثم تيسيره له ذلك وتسهيله، وهو مؤكد للمصدرية الإلهية للقرآن الكريم، فما كان لجبريل - عليه السلام - من هوى شخصي، ولا إرادة ذاتية في أن ينزله على قلبك، لأنه لا يعدو أن يكون منفذاً لإرادة الله - عز وجل -، وإذنه في تنزيل القرآن على قلبك، ومنه نستنتج أمراً بالغ الأهمية هو: التوقيفية في نزول الملَك:
فعن ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - قال: يا جبريل!ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا، فنزلت ﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا ﴾ "مريم/٦٤" إلى آخر الآية، قال: كان هذا الجواب لمحمد - ﷺ - (١)، فقد تجذرت صفة الحق في كل أجزاء الإنزال والتعليم: الحق هو المُنْزٍِل، والحق في المنْزَل، الحق في النزول، كما في قوله - سبحانه وتعالى - ﴿ وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَل ﴾ "الإسراء/١٠٥".
فإذا كانت التوقيفية صفة ذاتية للنزول، فكيف المنزَل به؟.

(١) صحيح البخاري ٦/٢٧١٣، مرجع سابق.
فائدة: قال ابن حجر-رحمه الله تعالى- في فتح الباري ٨/٤٢٩، مرجع سابق: " تنبيه: الأمر في هذه الآية معناه الإذن، بدليل سبب النزول المذكور، ويحتمل الحكم أي نتنزل مصاحبين لأمر الله عباده بما أوجب عليهم أوحرم، ويحتمل أن يكون المراد ما هو أعم من ذلك عند من يجيز حمل اللفظ على جميع معانيه ".


الصفحة التالية
Icon