وفي حرف الباء في قوله تعالى ﴿ بإذْنِ الله ﴾ يظهر معنى المصاحبة والملابسة لأمر الله في نزوله، لا معنى التجاوز والاجتهاد، ثم أخذ الإذن، فهو أمر الله - سبحانه وتعالى - وإذنه الذي اختاره؛ إذ معلوم أن هذا التعبير يفيد أن الفعل تم بعد الإذن، كما قال - عز وجل - ﴿ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إلا بِإِذْنِهِ ﴾ "هود/١٠٥" ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ ﴾ "البقرة/٢٥٥"، مع أن الباء تفيد الملاصقة، وهي من أهم معاني الباء (١)، فقد كان الإذن الإلهي أمراً وإذناً واقعَيَن قبل النزول، ملاصقَين للنزول، مُسْتصحبَين حتى تمام أداء الوظيفة التعليمية.
وما سبق كان وصفاً لعمل المُعَلِّمِ المُلْقي - عليه السلام -، فلننظر في عمل طالبه المتلقن - ﷺ -، وهو المبحث التالي:
المبحث الرابع:
مظاهر اجتهاد النبي - ﷺ - في تلقي القرآن من جبريل - عليه السلام - قبل نزول التوقيف الإلهي:
اجتهد النبي - ﷺ - في تطبيق هيئات تمكنه من حفظ القرآن عند إلقاء الملك له، بيد أن جلالة الأمر، وعظمة قضية التلقي من السماء للأرض منعته من الاجتهاد حتى في مثل هذه الجزئية بل صار فعله توقيفياً، فلم يقر على اجتهاد، وبين له هيئة تلقيه، ولعل أهم حكم تأخير إنزال الأمر له بكيفية تلقي القرآن أن يعلم المسلمون من بعده ضرورة الوقوف عند التوقيف الإلهي في تلقي القرآن، وأن النبي - ﷺ - نُهي عن بعض اجتهاداته المخالفة للتوقيف الإلهي في طريقة التلقي فكيف غيره ؟.