... فإذا أُضيف إلى هذا حقيقة أن الوحي ثقيلٌ على الملائكة يعانون منه وهم الملائكة... وإذا كان ثقل الوحي أمر طبعي بالنسبة للملائكة، وهم من هيأهم الله - سبحانه وتعالى - ليكونوا عنده، فكيف بالبشر الموصوفين بالضعف؟، وقد تقدم حديث السلسلة على الصفوان (١)، وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنه - عند ابن مردويه (فلا ينزل على أهل سماء إلا صعقوا)، وعند مسلم عنه عن رجال من الأنصار أنهم كانوا عند النبي - ﷺ - فرمى بنجم، فاستنار، فقال: (ما كنتم تقولون لهذا إذا رمى به في الجاهلية؟) قالوا: (كنا نقول مات عظيم، أو يولد عظيم. فقال: (إنها لا يرمي بها لموت أحد، ولا لحياته، ولكن ربنا إذا قضى أمراً سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح سماء الدنيا، ثم يقولون لحملة العرش: ماذا قال ربكم ؟... ) الحديث (٢).
ولثقل الوحي ومعاناة النبي - ﷺ - دلائل عدة من حيث موضوع البحث:
فأولها: التأكيد على توثيق النص القرآني حال إنزاله، برفع مستوى النبي - ﷺ - عن المستوى البشري مع بقائه خارج هذه اللحظات على بشريته فهي الأغلب عليه، وهو ما يدعوه إلى تحمل ما يترتب على ذلك، كما أن وجود شدة العَرَق في اليوم الشديد البرد، وثقل الجسد يدل على طاقة جبارة هائلة يبذلها النبي - ﷺ -... وهو ما يؤدي إلى غرس المُلْقَى إليه من القرآن الكريم في فؤاده غرساً، ونقشها في قلبه نقشاً.
(٢) فتح الباري ٨/٥٣٨، مرجع سابق.