... ومن المعلوم أنك عندما تضرب شخصاً ضرباً شديداً، أو تضغط بعض أعضائه ضغطاً موجعاً وتقول إثر ذلك كلمة فإنه لا ينساها... ولذا كان الغت أو الغط في أول الوحي، وبُرحاء الوحي بعد ذلك في مظاهرها المتعددة... وثمة ملحوظة أخرى: هي تنوع مظاهر هذه البُرحاء بين صلصلة جرسٍ ودوي نحلٍ، وثقل جسد لتحقيق هدف النقش بأساليب مفاجئة مختلفة لا تعتادها النفس. وهو ما يعطي آفاقاً كبيرة في الأسلوب التربوي الذي ينبغي أن يُتَبع في حياتنا التعليمية.
وثانيها: وجود العلامة الحسية المشعرة للنبي - ﷺ - بنزول الوحي، وهو ما يدفع تطرق التوهم إليه فيطمئن قلبه –بعد- إذا استيقن، ويدفع تطرق التوهم إلى غيره، فيعلمون سبل الاتصال الرسول الملَك والرسول البشر، فيغدو ما يستنكرونه من هذا الاتصال كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.
وثالثها: أن العلامة الحسية على الرغم من شدتها إلا أنها غير مشاهدة لغيره، ولا محسوسة من أحد سواه ممن حوله، إنما يشاهدون أعراضها في جسده مما لا يدخل تحت نطاق القدرة البشرية (١)، فلا وجه لنفي قراءة جبريل - عليه السلام - ما أنزله حرفاً حرفاً حال إنزال الوحي القرآني على قلبه، فعدم الشعور بذلك داخلٌ في أن أمر الوحي برمته غير محسوس أو غير معلوم لمن حوله، بصفة دقيقة إلا ما يرونه من علامات ظاهرية صارت قرائن على وجود الوحي.

(١) أي أنهم اعتادوا ذلك من بعد بما يرونه من تأثر يظهر عليه على هيئة معينة... سموها (بُرحاء الوحي).


الصفحة التالية
Icon