... وفي عصرنا يمكن للإنسان أن يسمع إنساناً، ويرى آخر عن طريق الهاتف المرئي دون أن يشترك معه غيره من المحيطين به في زمان التكلم والرؤية إذا توافر الجهاز المرسِل عند من يتكلم، والمستقبِل عند من يسمع... وهكذا نقرر بأن الله –تعالى ذكره- قد هيأ القدرة لجبريل - عليه السلام - للاتصال برسوله - ﷺ -، وهيأ الرسول - ﷺ - بمستقبلات لما يُوحى إليه تدرك آثارها، ولا ترى حقيقتها وكيفيتها.
ورابعها: أن المقتضى المنهجي لهذه الشدة التي يعانيها الرسول - ﷺ - عند إنزال الوحي القرآني: أن يستشعر ذلك من يَحْفَظُ ألفاظ القرآن، ويُحَفِّظُها، ولا يتعامل مع لفظ القرآن بتساهلٍ يذهب بركة القرآن....
فإن اعتُرض بأنه: قد ورد ما يدل على يسر الوحي، وسهولة تأتيه ففي رواية الطبراني لحديث الحارث بن هشام: (ويأتيني أحيانا في صورة رجل يكلمني كلاماً، وهو أهون علي)الحديث (١) فهذا يدل على أن ثم هيناً في الوحي وأهون منه، فالجواب: يوضح أمر هذه الرواية الروايات الأخرى، وذلك أولى من العكس، لطبيعة الشدة المصاحبة للوحي بالنسبة لمن وصفوا بأنهم عند الله - عز وجل - فضلاً عمن سواهم... فقد أراد بقوله: (أهونه)، الأمر النسبي أي بالنسبة إلى الهيئة الأخرى من الوحي، قال ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "يفهم منه أن الوحي كله شديد، ولكن هذه الصفة أشدها" (٢).

(١) المعجم الكبير ١/ ٣٤٥، مرجع سابق.
(٢) فتح الباري ٨/٥٦٧، مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon