فالجواب: قد بُيِّن في مواضع أُخَر أن معنى ذلك أن الملَك، يقرؤه عليه حتى يسمعه منه فتصل ألفاظه ومعانيه إلى قلبه بعد سماعه، وذلك هو معنى (نزوله على قلبه)، ويُلاحظ أنه لم يقل (في قلبه) -كما سبق في المبحث الثاني- وذلك كما في قوله - عز وجل - ﴿ لا تُحَرِّك بِه لِسَانَك... بَيانَه ﴾ "القيامة/١٦... "، وقوله ﴿ وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ "طه/١١٤".
وليس المراد من النزول على القلب ما استدل به قوم راموا أمراً ما هم ببالغيه، فادعوا أن القرآن إلهامُ وقذفُ روحاني بدليل الآيتين المذكورتين؛ إذ العرب تستعمل النزول على القلب، وتكليم القلب، وتكليم الصدر، وحفظ الصدر... ونحو ذلك في الحفظ والضبط والوعي والفهم لا في نفي السماع، كما قال أبو ذر - رضي الله عنه - :(ما ترك رسول الله - ﷺ - شيئاً مما صبه جبريل وميكائيل عليهما السلام في صدره، إلا قد صبه في صدري، وما تركت شيئاً مما صبه في صدري، إلا قد صببته في صدر مالك بن ضمرة) (١).

(١) المعجم الكبير٢/١٤٩، مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon