... ولعل من أعظم أسرار قوله تعالى ﴿ عَلَى قَلْبِكَ ﴾ غير ما تقدم، أن القرآن الكريم لا ينساه النبي - ﷺ - نسياناً كلياً كما روى ابن سعد من طريق أبي سلمة الماجشون أنه بلغه أن رسول الله - ﷺ - كان يقول: (كان الوحي يأتيني على نحوين: يأتيني به جبريل فيلقيه علي كما يلقي الرجل على الرجل فذلك ينفلت مني، ويأتيني في شيء مثل صوت الجرس حتى يخالط قلبي فذاك الذي لا يتفلت مني) وقال ابن حجر-رحمه الله تعالى-: "وهذا مرسل مع ثقة رجاله، فإن صح فهو محمول على ما كان قبل نزول قوله - سبحانه وتعالى - ﴿ لا تُحَرِّك بِه لِسَانَك ﴾، فإن الملَك قد تمثل رجلاً في صور كثيرة، ولم ينفلت منه ما أتاه به، كما في قصة مجيئه في صورة دحية، وفي صورة أعرابي، وغير ذلك، وكلها في الصحيح" (١).
وباعتبار أن الوحي القرآني كان شديداً، والنوم راحة لا شدة فيه، يُطْرَحُ سؤال على ميدان البحث:
هل أوحي إلى النبي - ﷺ - شيء من القرآن مناماً ؟ والجواب: أن الظاهر من السمات العامة التي تقدمت أن ذلك لم يحدث، لما يتطلبه الوحي القرآني من استعداد وشدة.
فإن اعتُرض بأن: سورة الكوثر نزلت مناماً كما رواه أنس - رضي الله عنه - قال: (بينا رسول الله - ﷺ - ذات يوم بين أظهرنا - إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسماً، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله ؟ ! قال: (أنزلت علي آنفاً سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ(١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ(٢) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَر ﴾ "الكوثر/١-٣") الحديث (٢)، إذ ظاهره أن سورة الكوثر نزلت مناماً ؟.
(٢) صحيح مسلم ١/٣٠٠، مرجع سابق.