وهذا الذي مال إليه الآلوسي، هو ما ذهب إليه الرافعي (١)، حيث نقل عنه السيوطي قوله: "والأولى أن تفسر الإغفاءة بالحالة التي كانت تعتريه عند الوحي، ويقال لها بُرَحاء الوحي؛ فإنه كان يؤخذ عن الدنيا، والأشبه أنه لم ينزل شيء من القرآن في النوم" (٢)، ومال إليه السندي في حاشيته على سنن النسائي فقال: "(إذ أغفى) الإغفاء –بالغين المعجمة-: النوم القليل، وفي المجمع: الإغفاء السِنَة، وهي حالة الوحي غالباً، ويحتمل أن يريد به الإعراض عما كان فيه" (٣)، وقال ابن خلدون: "أن توجد لهم-أي الأنبياء- في حال الوحي غيبة عن الحاضرين معهم مع غطيط، كأنها غشيٌ، أو إغماءٌ في رأي العين، وليست منهما في شيء، وإنما هي في الحقيقة استغراق في لقاء الملك الروحاني، بإدراكهم المناسب لهم الخارج عن مدارك البشر بالكلية، ثم يتنزل إلى المدارك البشرية، إما بسماع دوي من الكلام، فيتفهمه، أو يتمثل له صورة شخص يخاطبه، بما جاء به من عند الله ثم تنجلي عنه تلك الحال وقد وعى ما ألقى إليه" (٤).
ويكفي في الرد على هذا الوجهة قول الله - عز وجل - ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ "النجم/٥"؛ إذ التعليم منافٍ للنوم إن أُريد يالنوم ما يعتاد البشر، لا إن أُريد به نوم الأنبياء.
(١) كبير فقهاء الشافعية المناظر للإمام النووي | وليس الأستاذ مصطفى صادق الرافعي أديب العصر. |
(٣) (السندي) أبو الحسن نور الدين بن عبد الهادي ت ١١٣٨هـ: حاشية السندي على النسائي ٢/١٣٤، مراجعة: عبد الفتاح أبو غدة ١٤٠٦هـ – ١٩٨٦م، مكتبة المطبوعات الإسلامية – حلب.
(٤) مقدمة ابن خلدون ص٩٢، مرجع سابق.