كما يظهر للباحث أن ما ذُكِرَ في الحديث من نزول سورة الكوثر ليس بنزول حقيقي لاتفاق أهل التفسير ومتتبعي النزول أن هذه السورة مكية، وسياقها مثبتٌ لمكيتها، وكلام أنس - رضي الله عنه - مشعر بوجوده حال الحديث وهو مدنيٌ كما هو معلوم، وقد قال البيهقي:"والمشهور فيما بين أهل التفسير والمغازي أن هذه السورة مكية" (١)، وما ذكره الآلوسي يصلح وجهاً عند التنزل للرد على نفي المعاناة في المنام من حيث أن قلب النبي - ﷺ - لا ينام.
وإذ انتهت هذه المسألة؛ فهل معنى ما قرر هنا أن الوحي غير القرآني لم يكن يأت النبي - ﷺ - على الصورة الأشد ؟ والجواب: لا! إذ لا يعني ما قرر هاهنا، أن الوحي غير القرآني لم يكن يأتيه بالصورة الشديدة، بل قد يأتيه كذلك كما في حديث عبادة ابن الصامت - رضي الله عنه - أنه قال: (كان رسول الله - ﷺ - إذا نزل الوحي عليه كرب لذلك، وتربد وجهه، فأُوحي إليه ذات يوم، فلقي ذلك، فلما سرى عنه، قال رسول الله - ﷺ - :(خذوا عني. قد جعل الله لهن سبيلاً، الثيب بالثيب والبكر بالبكر، الثيب جلد مائة ثم رجماً بالحجارة، والبكر بالبكر جلد مائة، ثم نفي سنة) (٢). وهو دال على مجيء الوحي غير القرآني بالصورة الأشد.
إنما المراد من البحث السابق نفي أن يأتيه الوحي القرآني بصورة نبذ الرجل، وإلقاء الفتى، ولذا تكاد لا ترى حديثاً فيه ذكر لوحي قرآني إلا وصفة إنزاله هي الشديدة إن ذُكِرت، حتى صار ذلك سيماء الوحي القرآني التي يذكرها كتابه عند وصفه، كما في حديث زيد ابن ثابت - رضي الله عنه - المتقدم.

(١) سنن البيهقي الكبرى ٢/٤٣، مرجع سابق.
(٢) صحيح مسلم ٣/١٣١٦، مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon