... لم يفعل جبريل - عليه السلام - ذلك إلقاءً وقراءةً وإقراءً للفظ القرآني إلا ليقرأها النبي - ﷺ - على أصحابه والناس أجمعين كذلك، ثم تتناقلها الأجيال كذلك، فلا يأتي متقولٌ بعد ذلك فيركب من كلمتين أو أكثر لفظاً جديداً أو معنى جديداً فيقرأ به ما دام الإجماع السابق في التلقي، والفهم عند السابقين لمعنى الآية ينافيه ( بخلاف ما إذا دخل ضمنه أو وضحه)، وذلك كمن يركب معنى جديداً في قوله -تعالى ذكره- ﴿ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ ﴾ "الممتحنة/١"، ويستحل قراءتها كذلك زاعماً أنه لا يوجد دليل ملزم لقراءتها كما تلقيت، أو كمن يركب من قوله - عز وجل - ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ﴾ "النساء/٧" معنى جديداً؛ بأن يقرؤها: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ ﴾ ويسكت، ثم يقول ﴿ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ﴾ ؛ إذ التلقي مفسدٌ لهذه القراءة المبتدَعة.
ويبين ما سبق من تفصيلٍ ما تقدم من معنى قوله - سبحانه وتعالى - ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ ﴾ (١) : أي: عليك بقراءة جبريل - عليه السلام -... فكان وعداً إلهياً بأن يُكرره النبي - ﷺ - كقراءة جبريل - عليه السلام -.
فإن اعتُرض بأنه: قد يعتري قراءة جبريل - عليه السلام - الخلل... فلماذا ارتكاب تأويل ﴿ قَرَأْنَاهُ ﴾ أي بقراءة جبريل - عليه السلام -.. ولمَ لا يكون الإلهام الرباني بديلاً عن استماع جبريل - عليه السلام - ؟.