فالجواب: هذا مبحثٌ واسعٌ من حيث تحديدُ أطره حتى لا يُشَطَّ في فهمها، وليُشَر هاهنا إلى ما يتعلق بالجزئية مناط البحث: فمكمن الاجتهاد مع هذا التشديد في التوقيف في تلقي القرآن الكريم–حتى في هيئة استماعه – كامنٌ في الصوت الممنوح من الله - عز وجل - للإنسان من حيث الملاحة والحسن فقد يكون ندياً، أو أقل نداوة، وفي الصوت من الجهر والمخافتة وفي النفس الممنوح من الله - سبحانه وتعالى -، على أن التوقيف ضابطٌ حتى لموضوع الجهر والمخافتة؛إذ وردت نصوصٌ تقيد ذلك (١)، ومما يُشار إلى دخول الاجتهاد فيه جزئياتٌ نادرة لم يرد التنصيص على كيفية النطق الجزئي لها، فترجع إلى الإحالة العامة فيها على اللغة العربية، كمثل الوقف على أواخر الكلم، وإدخال الروم والإشمام فيه عند من يزعم أن لا نص ورد روايةٌ فيها (٢)، ونحو الوقف والابتداء إذ أمر الاجتهاد فيه واسعٌ ما دام مراعىً فيه القواعد العامة التي وضعها علماء الإقراء مستقاةً من هيئات التلقين، فهو علمٌ توقيفي في الجملة، ومثله علم العدد(الفواصل) ففيه نوع اجتهاد فيما لم يرد نصٌ على عده، أو ورد فيه نصان موهمان للعد وعدمه، فاختلف فيه علماء العدد، لكنه قليل جداً بل نادر إذا ما قورن بالمتفق عليه (٣)،

(١) كآية الإسراء ﴿... وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا... ﴾ "الإسراء/١١٠" مثلاً.
(٢) وفي هذا نظر كبير من حيث أن القراء منعوا أشياء تجوز عربية كالإشمام والروم في المفتوح والمنصوب.
(٣) انظر: الشيخ عبد الفتاح القاضي: بشير اليُسر شرح ناظمة الزهر في علم الفواصل للإمام الشاطبي ص٥، ط١٣٩٧هـ-١٩٧٧م، مطبوعات الأزهر -مصر..


الصفحة التالية
Icon