... ولتأكيد التقرير هنا فلتُتَأمّل هذه المصدرية في أول سورة نزلت في قوله - عز وجل - ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ "العلق/١"، فالباء لها ثلاثة أوجه من التفسير:
١- إما أن تكون للاستعانة، والجار والمجرور متعلقان بالفعل (اقرأ)، أي اقرأ مستعيناً بذكر اسم ربك.
٢- وإما أن تكون للمصاحبة، والجار والمجرور في موضع الحال من ضمير اقرأ الثاني مقدماً على عامله للاختصاص، أي اقرأ ما سيوحى إليك مصاحباً قراءتك اسم ربك، فالمصاحبة مصاحبة الفهم والملاحظة لجلاله، ويكون هذا إثباتاً لوحدانية الله - عز وجل - بالإلهية.
٣- وإما أن تكون بمعنى على كقوله - سبحانه وتعالى - ﴿ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ ﴾ "آل عمران/٧٥" أي على قنطار، والمعنى اقرأ على اسم ربك، أي على إذنه، أي أن الملك جاء على اسم ربك أي مرسلاً من ربك (١).
... ثم تتجلى هذه المصدرية في موقف تعليمه الإقراء في إضافة اسم إلى الاسم الظاهر (ربك) المضاف إلى الكاف، ثم تجلت تارة أخرى في قوله - سبحانه وتعالى - ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ... ﴾ الثلاث الآيات كالاستئناف البياني، كأنه الرسول - ﷺ - قال: وكيف اقرأ، ولست بقارئ ؟ فأجيب: الذي علم القراءة بالقلم، يعلمك ما لم تعلم، ولا عجب في أن تقرأ، إذ العلم يحصل بوسائل أخرى مثل الإملاء والتلقين والإلهام، وتأمل في وصفه - عز وجل - في هذا الموقف بالأكرم....
واستشعار المصدرية الإلهية للقرآن له مقتضياته الهامة، وفيما يتعلق بمدار البحث هنا تبرز المقتضيات التالية:

(١) انظر: التحرير والتنوير ٣٠/٤٣٦، مرجع سابق، وانظر: تفسير الثعالبي٤/ ٤٢٧، مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon