ب- استمداد العون والتوفيق في تحقيق لفظه، وإتقان مبناه (١)، وعدم نِسِيِّه أو تفلته من قائله - عز وجل -، ومنزله جل شأنه ولذاك كانت خاتمة آية طه بالدعاء، ومما يعضد هذا المفهوم ما أعقب الله –جل ذكره- لآية طه من ذِكْرٍ لقصة آدم - عليه السلام -، حيث قال: ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾ "طه/١١٥"، ونسيان آدم - عليه السلام - هنا كان لأمرٍ واحدٍ محسوسٍ، وذلك عندما وُكِل إلى نفسه في المراقبة، فكيف سيكون النسيان لمتعددٍ ملفوظٍ؟، ولذا فليرجع النبي - ﷺ - إلى ربه فيستعين على تحمل القرآن وحفظه وأدائه، فكأنه لما مدح - عز وجل - القرآن، وحرض على استعمال التؤدة والرفق في أخذه، وعهد على العزيمة بأمره، وترك النسيان فيه ضرب حديث آدم مثلاً للنسيان وترك العزيمة (٢)، وذكر ابن عطية: أن في ذلك مزيد تحذير للنبي - ﷺ - عن العجلة لئلا يقع فيما لا ينبغي، كما وقع آدم - عليه السلام - (٣).
كان ذلك فحوى الأمر الإلهي.
والصورة التطبيقية لهذا قبل التوقيف القرآني على هيئة تلقي القرآن لاستشعار هذه المصدرية: تعجل النبي - ﷺ - نزول القرآن واستكثاره منه، إذ ورد في تفسير قوله تعالى ﴿ وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيهُ ﴾ ثلاث تفسيرات:
أحدها: أنها كقوله تعالى ﴿ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾.
(٢) انظر: روح المعاني ١٦/٣٩٣، مرجع سابق.
(٣) (ابن عطية) أبو محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ١٠/٩٩، تحقيق وتعليق: عبد الله ابن إبراهيم الأنصاري، السيد عبد العال السيد إبراهيم، ط١، ١٤٠٦هـ – ١٩٨٥م.