والثاني: أنها نهيٌ للنبي - ﷺ - عن استعجال نزول القرآن، لأنه ما يتنزل إلا بأمر ربه - عز وجل -، وليس للنبي - ﷺ - من الأمر شيء، ويدل له حبه - ﷺ - للوحي، وتشوقه إليه، قال صاحب التحرير والتنوير:"لما كان النبي - ﷺ - حريصاً على صلاح الأمة شديد الاهتمام بنجاتهم؛ لا جرم خطرت بقلبه الشريف عقب سماع تلك الآيات رغبةً، أو طلبةً في الإكثار من نزول القرآن، وفي التعجيل به إسراعاً بعظة الناس وصلاحهم، فعلمه الله - سبحانه وتعالى - أن يكل الأمر إليه" (١).
والصورة التطبيقية بعد التوقيف القرآني على هيئة تلقي القرآن: هو استراحة النبي - ﷺ - (٢) من خوف تفلت القرآن منه - ﷺ - بعد تكفل الله - سبحانه وتعالى - بعدم ذلك، والإكثار من دعاء ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾، واتباع ما أوقفه القرآن من هيئات في حفظه، وعدم استعجال نزول القرآن عليه إذ لكل أجل كتاب، وإرجاع كل فضل ينزله الله - عز وجل - على نبيه - ﷺ - لمنزِله - عز وجل -، وقد قال أبو حيان -رحمه الله تعالى- في قوله - سبحانه وتعالى - ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ :"وهذا القول متضمن للتواضع لله، والشكر له على ما علم من ترتيب العلم، أي كما علمتني مآرب لطيفة في باب التعلم، وأدباً جميلاً ما كان عندي فزدني علماً" (٣).

(١) التحرير والتنوير ١٩/٣١٦، مرجع سابق، ونقل الآلوسي -رحمه الله تعالى- نحوه عن الماوردي، وتراجع هذه المصادر لمعرفة التفسير الثالث.
(٢) كما عبر ابن عباس - رضي الله عنه - في حديث المعالجة، انظر: المبحث السادس من هذا الفصل.
(٣) البحر المحيط ٦/٢٨١، مرجع سابق، ولعله ناقل عن الكشاف ٢/٤٤٨، مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon