ج- أن ذلك أقوى في استيعاب معنى الآية، وفَهْمِها بعكس الترديد خلف جبريل - عليه السلام - فإنه باعث على الاضطراب والارتباك، وخاصةً إن اقترن الترديدُ لموضع سبق بالاستماع لموضعٍ يلحق، قال الآلوسي -رحمه الله تعالى-:"إنه ربما يشغل التلفظ بكلمة عن سماع ما بعدها" (١)، وقال أبو السعود -رحمه الله تعالى-: "إن استقرار الألفاظ في الأذهان تابع لاستقرار معانيها فيها، وربما يشغل المتلفظ بكلمة عن سماع ما بعدها" (٢).
٣-ترديد القرآن بعد انتهاء جبريل - عليه السلام - من قراءته، ليطمئن القلب بتحفظه: وهو صريح في الأمر القرآني، والوعد الإلهي ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾ كما تقدم (٣)، وقال الزمخشري -رحمه الله تعالى- في قوله - سبحانه وتعالى - ﴿ وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ... ﴾ "طه/١١٤":"لما ذكر القرآن وإنزاله قال على سبيل الاستطراد: "وإذا لقنك جبريل - عليه السلام - ما يُوحى إليك من القرآن، فتأنَّ عليه ريثما يسمعك ويفهمك، ثم أقبل عليه بالتحفظ بعد ذلك، ولاتكن قراءتك مساوقةً لقراءته، ونحوه قوله - عز وجل - ﴿ لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾ " (٤).
والصورة التطبيقية لذلك ما وصفه ابن عباس - رضي الله عنه - في حديث المعالجة: فإذا انطلق جبريل - عليه السلام - قرأه النبي - ﷺ -....

(١) روح المعاني ١٦/٣٩٢، مرجع سابق.
(٢) تفسير أبي السعود ٣/٦٦٨، مرجع سابق، وانظر: تفسير أبي حيان ٦/٢٨١، فتح القدير ٣/٤٨٧، أضواء البيان ٤/٥١٨، تفسير القرطبي ١١/٢٥٠، تفسير ابن كثير ٣/١٤٨، مراجع سابقة، وذكر ابن كثير حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - [اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علماً، والحمد لله على كل حال].
(٣) انظر: حديث المعالجة في المبحث السادس من هذا الفصل.
(٤) الكشاف ٢/٤٨٨، مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon