والتصريح بالتأني ظاهر في قوله - سبحانه وتعالى - ﴿... وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ... ﴾ ﴿ لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾ ؛ إذ في كلٍ منهما زجرٌ عن الاستعجال في حفظ الكتاب الكريم، وذاك في معنى الاستعجال في تلاوته، ولذا قال الزمخشري في قوله - سبحانه وتعالى - ﴿ كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ﴾ :" ﴿ كَلاَّ ﴾ زجرٌ لرسول الله - ﷺ - عن عادة العجلة، وإنكارٌ لها عليه، وحثٌ على الأناة، والتؤدة، وقد بالغ في ذلك بإتباعه قوله ﴿ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ﴾ كأنه قال: بل أنتم يا بني آدم لأنكم خلقتم من عَجَلٍ، وطُبِعْتُمْ عليه تعجلون في كل شيء، ومن ثم تحبون العاجلة" (١)، وقال الآلوسي:" ﴿ كَلاَّ ﴾ إرشاد للرسول - ﷺ -، وأَخْذٌ به عن عادة العجلة، وترغيبٌ له في الأناة، وبالغ سبحانه في ذلك لمزيد حبه إياه بإتباعه قوله - سبحانه وتعالى - ﴿ بَلْ ﴾ -ثم سرد الآلوسي غير ذلك المعنى، وعَقَّبَ باستحسان كلام الزمخشري – قال-: واللائق بجزالة التنزيل، ولطيف إشاراته ما أشار إليه ذو اليد الطولى جار الله تجاوز الله عن تقصيراته" (٢)، وتفصيل الاستدلال مبسوطٌ في تحليل الموقف القرآني الذي تثيره كل من الآيتين (٣).
وقد بين الله - سبحانه وتعالى - مدى هذا النهي، ومدة هذه العجلة المنهية: في قوله ﴿ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ﴾ "طه/١١٤".
والغاية من التأني: التدبر، فقد قال ابن كثير: "اقرأه على تمهلٍ؛ فإنه يكون عوناً على تدبره" (٤).
(٢) روح المعاني ٢٩ /٢٤٥، مرجع سابق.
(٣) انظر: حديث المعالجة في المبحث السادس من هذا الفصل.
(٤) ابن كثير ٤/٣٧٠، مرجع سابق، ونحوه عند الشوكاني في فتح القدير ٥/٣٨٧، مرجع سابق.