وقال أبوحاتم بن حبان: "قوله - ﷺ - يتغنى بالقرآن يريد يتحزن به، وليس هذا من الغُنية، ولوكان ذلك من الغنية لقال (يتغانى به)، ولم يقل (يتغنى به) وليس التحزن بالقرآن وطيب الصوت، وطاعة اللهوات بأنواع النغم بوفاق الوقاع، ولكن التحزن بالقرآن هو: أن يقارنه شيئان: الأسف والتلهف: الأسف على ما وقع من التقصير، والتلهف على ما يؤمل من التوقير، فإذا تألم القلب، وتوجع، وتحزن الصوت، ورَجَّع، بدر الجفنُ بالدموع، والقلب باللموع، فحينئذٍ يستلذ المتهجد بالمناجاة، ويفر من الخلق إلى وكر الخلوات، رجاء غفران السالف من الذنوب، والتجاوز عن الجنايات والعيوب، فنسأل الله التوفيق له" (١)، فقوله (ما أذن الله): يريد ما استمع الله لشيءٍ (كأَذَنِه) كاستماعه للذي يتغنى بالقرآن يجهر به يريد يتحزن بالقراءة (٢).
وفي سنن البيهقي: "قال أبو عبيدة: في قوله (كأذنه) يعني ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن، ولم يرض ومن رواية من روى كإذنه قال وقوله (يتغنى بالقرآن) إنما مذهبه عندنا تحزين القراءة" (٣).
والمعنى المتَحَصَل من أقوال أئمة الشأن: أن لفظ (أذن) بفتحة ثم كسرة في الماضي، وكذا في المضارع مشترك بين الإطلاق، والاستماع تقول: أذنت آذن بالمد، فإن أردت الإطلاق فالمصدر بكسرة ثم سكون، وإن أردت الاستماع فالمصدر بفتحتين، كما قال عدي بن زيد:
أيها القلب تعلل بِدَنْ...... إن همي في سماع وأذَنْ
أي في سماعٍ واستماع، فأصل أَذَن بتفحتين أن المستمع يميل بإذنه إلى جهة من يسمعه (٤).
وهو ما قرره العلماء، وشهد له الاشتقاق اللغوي، وممن قرر ذلك:

(١) صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان ٣/٢٧، مرجع سابق.
(٢) انظر: صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان ٣/٣٠، مرجع سابق.
(٣) سنن البيهقي الكبرى١٠/٢٢٩، مرجع سابق.
(٤) انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري ٩/٢٧٦٩، مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon