كانت النتيجة التلقائية لهذه المقدمات هي: التوقيفية المحضة في نقل هيئة أداء القرآن، كنقل أصل ألفاظه....
... فإذا أُضيف إلى هذا: أن الرسول - ﷺ - كان إذا انطلق جبريل - عليه السلام - قرأه كما قرأه، وأن الصحابة حفظوه وكتبوه كما أقرأهم الرسول - ﷺ -... وأن حلقات الحفظ هذه قد توالت من الله –جل وعلا- إلى رسوله من أهل السماء - عليه السلام - إلى رسوله من أهل الأرض - ﷺ -، ثم إلى صحابة رسوله - ﷺ -، ثم إلى الأمة باختلاف مكانها وزمانها... بأعلى درجات الحفظ والضبط... كما كان الرسول - ﷺ - يقوم بالعرض اليومي للصحابة عند نزول القرآن، وفي الصلوات الجهرية، وفي نوافله الليلية التي كان يصل وردُه فيها إلى سدس القرآن الكريم في كل ليلة غالباً... فقد ضمن الله - عز وجل - للقرآن حفظه: كتابةً بالقلم، وأداءً بالصوت الذي حُفِظَتْ حروفه في أدق صفاتها ومخارجها من حيث مقاطعُ الأداء( أماكن الخروج) وما يصاحبه من غنةٍ، أو مدٍ، أو ترقيقٍ، أو تفخيمٍ، أو استعلاءٍ، أو استفالٍ... كما حُفِظَتْ أماكن الوقف والابتداء، والسكتات الواجبة والجائزة....
فحفظ الله –تعالى ذكره- ألفاظ القرآن في هذه الأمة بالأدوات الواقعية الإنسانية التي تتسم بأعلى قواعد الحفظ، وأدق مقاييس الضبط.
ولا يعترض معترضٌ على هذه النتيجة الحتمية بأنها منخرمةٌ بما يُشاهد من اختلاف أداء القرآن، لأنه هذا الاختلاف مرده إلى أمورٍ خارجيةٍ أخرى كالاختلاف الفطري في أصوات الناس، والاختلافِ النفسي من حيث التذوق لنغمة التصويت، والاختلافِ العقلي من حيث تقدير البطء والسرعة... وهذا كله لا يقدح في التوقيف في الأداء، حذوَ التوقيف في الصلاة، إذ لا جدال في أنها عبادةٌ توقيفية، وترى الاختلاف فيها وارداً من حيث البطء والسرعة في أداء أركانها... وما يشبه ذلك مما يرجع إلى البشر.