فالجواب: ليس عدم العلم علماً بالعدم، بل إنّ القواعد العامة للموضوع هي التي تجعل الباحث يميل إلى الحكم بالنفي أو الإثبات عند عدم وجود النص الصريح في مدار النزاع، وما عُرِضَ في خصوص موضوعنا يجعل الناظر فيها يميل إلى ترجيح أن النبي - ﷺ - قد عَرَض القرآن قبل وفاته، وذلك لما رأيتَه من الاهتمام المؤكَّد بذلك من خلال ما سبق، ولقد خرج النبي - ﷺ - إلى شهداء أحد قبل وفاته فصلى عليهم بأمر ربه (١)، فكيف يكون الأمر له في خصوص القرآن الكريم، على أنه لو لم يتم العرض فلا ضير للتكفل بالحفظ أو لما قاله ابن حجر-رحمه الله تعالى-: "وكأن الذي نزل في تلك الأيام لما كان قليلاً بالنسبة لما تقدم اغْتُفِرَ أمر معارضته" (٢).
...... وفي آخر هذا المبحث: فهل أتاك نبأ رسول الله - ﷺ - إذ يتلقى ألفاظ ألفاظ القرآن الكريم؟، وجبريل - عليه السلام - إذ يعلمه لفظ القرآن المجيد؟... فيا حاديَ الشوق أشعل سُرَجَ العزيمة... وأمط عنا –بذاك-في الظلماء ذلَ الهزيمة.... ويا رسول الله:

قد كنت بدراً ونوراً يُستضاء به . عليك تَنزِل من ذي العزة الكتبُ
وكان جبريل بالآيات يحضرنا . فغاب عنا، وكلُ الشوق ينسكبُ
المبحث التاسع:
تحليل حديث المدارسة (المعارضة):
... قد تكررت -فيما سبق- الإشارة إلى حديث المعارضة، ولأنه يُمَثِّل أنموذج المراجعة السنوية للقرآن الكريم من جهةٍ، ولما يتضمنه من دلالاتٍ متميزةٍ من حيث تلقين جبريل - عليه السلام - للنبي - ﷺ - ألفاظ القرآن من جهةٍ أخرى؛ فقد لزم إبرازه بالبحث والتحليل، لذا عُقد هذا المبحث، وينقسم إلى خمسة مطالب:
المطلب الأول: متن الحديث برواياته المختلفة.
المطلب الثاني: الدلالات العامة لحديث المعارضة.
المطلب الثالث: متضَمَّنات المعارضة.
(١) كما ثبت في البخاري ١/٥٧٦، مرجع سابق.
(٢) فتح الباري ٩/٤٤، مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon