المطلب الأول: البُعد التاريخي والموضوعي للاهتمام بهذا الموضوع:
إذا كان جبريل - عليه السلام - هو الذي بلغ رسول الله - ﷺ - القرآن الكريم، وعلمه إياه فإن جبريل - عليه السلام - قد جُعل بأمر الله شيخاً للنبي - ﷺ -، ومعلماً له بصريح قوله - سبحانه وتعالى - ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ "النجم/ ٥"، فقد بات حتماً على متتبعي علوم القرآن الكريم أن يتتبعوا تفصيلاً كيفية تعليم جبريل - عليه السلام - القرآن الكريم؛ إذ يأخذ حيز الأهمية الأولى في دراسة العلوم الإسلامية الشرعية، ومن هاهنا اهتم العلماء بهذا الموضوع اهتماماً بالغاً، فإن كان الأمر كذلك؛ فليس الباحث بدعاً في اهتمامه بذا الموضوع، بل كان هذا الموضوع كما لم يزل على رأس قائمة المفردات العلمية والشرعية التي يمارس درايتها أولوا النهى من المسلمين فضلاً عن أرباب الحجى من العلماء.
وأول من أثاره: الصحابة تعبدًا وازدياداً في طمأنينة قلبٍ، فقد روت عائشة-رضي الله تعالى عنها- أن الحارث بن هشام - رضي الله عنه - سأل رسول الله، فقال: يا رسول الله ! كيف يأتيك الوحي؟... الحديث (١).
قال السندي-رحمه الله تعالى-:"ظاهره أن السؤال عن كيفية الوحي نفسه، لا عن كيفية الملك الحامل له، ويدل عليه أول الجواب، لكن آخر الجواب يميل إلى أن المقصود بيان كيفية الملك الحامل، فيقال يلزم من كون الملك في صورة الإنسان كون الوحي في صورة مفهوم مُتَبَيَّن أول الوهلة، فبالنظر إلى هذا اللازم صار بياناً لكيفية الوحي، فلذلك قوبل بصلصلة الجرس، ويحتمل أن المراد للسؤال عن كيفية الحامل أي كيف يأتيك حامل الوحي" (٢).

(١) يأتي بتمامه -إن شاء الله تعالى- في الفصل الثاني- المبحث الثالث.
(٢) (السندي) أبو الحسن نور الدين عبد الهادي ت ١١٣٨هـ: حاشية السندي ٢/١٥٠، مراجعة: عبد الفتاح أبو غدة، ١٤٠٦هـ –١٩٨٦م، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب.


الصفحة التالية
Icon