ولم تنقله عائشة-رضي الله تعالى عنها-ثم من بعدها إلا لجلالته عندهم، فليست المسألة فضول قول، ونافلة كلم.
وقد قال الواقدي -فيما حكاه عنه ابن سعد-: "حج أمير المؤمنين هارون الرشيد فورد المدينة فقال ليحيى بن خالد: ارتد لي رجلاً عارفاً بالمدينة والمشاهد، وكيف كان نزول جبريل - عليه السلام - على النبي - ﷺ - ومن أي وجه كان يأتيه... " (١).
وجعل ابن حبان -رحمه الله تعالى-مسألة بدء الوحي وكيفية تلقيه أول أنواع يحتاج إلى معرفتها من أخبار النبي - ﷺ -، حيث قال: "وأما أخبار النبي - ﷺ - عما احتيج إلى معرفتها، فقد تأملت جوامع فصولها، وأنواع ورودها، لأسهل إدراكها على من رام حفظها، فرأيتها تدور على ثمانين نوعاً: النوع الأول: إخباره - ﷺ - عن بدء الوحي وكيفيته... " (٢).
بل هو رأس المفردات الأصولية، ويظهر هذا في صنيع الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه؛ إذ جعل كتاب بدء الوحي أول كتب الصحيح، وإنما فعله دليلاً على المنهج العلمي المسلوك عند المسلمين في عد العلوم النافعة، مما يُطَمْئِنُ إلى صواب هذا الفقه في أهمية موضوع جبريل - عليه السلام -. وفي وصف ابن عباس - رضي الله عنه - لقراءة النبي - ﷺ - إثر تعليم جبريل - عليه السلام - له بأنه (قرأه –أي القرآن- كما قرأه) داعٍ للعلماء عموماً، وللمتخصصين في علوم القرآن خصوصاً ليتعرفوا على كنه تعليم جبريل - عليه السلام - للنبي - ﷺ - القرآن من حيث لفظه؛إذ يتوقف عليه معرفة هيئة نقل أصل الأصول الإسلامية.

(١) (ابن سعد) محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري (١٦٨هـ - ت ٢٣٠هـ): الطبقات الكبرى، دار صادر بيروت.
(٢) (ابن حبان) محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي ت٣٥٤هـ: صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان ١/١٣١، مراجعة: شعيب الأرناؤوط، ١٣٩٩هـ- ١٩٧٩م، مؤسسة الرسالة، بيروت.


الصفحة التالية
Icon