٣- تأكيد المعارضة السنوية، وتعويضها عند فواتها لعارض: فقد اختلف في سبب معارضته - ﷺ - مرتين في العام الذي توفي بعده، ولا شك أن مجرد العلم الإلهي بوفاته سبب كافٍ في التأكيد على أصل أصول الدين، ويجعل ذلك كالمقطوع به استنباطه - ﷺ - حيث قالت ابنته فاطمة: (أخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة وإنه قد عارضني به العام مرتين ولا أرى الأجل إلا قد اقترب)، لكن هذا لا يفسر اعتكافه مرتين على المستوى ذاته من القوة... وقد عرض ابن حجر-رحمه الله تعالى- اختلاف العلماء في سبب اعتكافه في العام الذي توفي بعده عشرين يوماً فقال: "قيل: السبب في ذلك أنه - ﷺ - علم بانقضاء أجله، فأراد أن يستكثر من أعمال الخير؛ ليبين لأمته الاجتهاد في العمل إذا بلغوا أقصى العمل ليلقوا الله - عز وجل - على خير أحوالهم (١)، وقيل: السبب فيه أن جبريل - عليه السلام - كان يعارضه بالقرآن في كل رمضان مرة، فلما كان العام الذي قُبِضَ فيه عارضه به مرتين؛ فلذلك اعتكف قدر ما كان يعتكف مرتين، ويؤيده أن عند ابن ماجة: (وكان يعرض عليه القرآن في كل عام مرةً، فلما كان العام الذي قبض فيه عرضه عليه مرتين) (٢)،

(١) يُضَعِّف هذا أنه أخبر عن نفسه بعدم العلم باقتراب أجله إلا بعد أن رأى جبريل - عليه السلام - عارضه القرآن مرتين، وذاك كائنٌ في منتهى رمضان فكذلك الاعتكاف فيقوى من هنا أن يكون للاعتكاف علاقة في معارضة القرآن، ولكن يقوي الاستنباط الأول النعي العام له - ﷺ - في سورة النصر وكانت بعد فتح مكة، فلقائل ذاك القول أن يقول: استكثر من الخير بعدما نزلت عليه هذه السورة ومن ذلك الاعتكاف، وأما المعارضة فكانت تحديداً أدق من النعي العام.
(٢) سنن ابن ماجة ٢/٣٤٥، مرجع سابق..


الصفحة التالية
Icon