وقال ابن العربي: يحتمل أن يكون سببُ ذلك أنه لما ترك الاعتكاف في العشر الأخير بسبب ما وقع من أزواجه، واعتكف بدله عشراً من شوال –اعتكف في العام الذي يليه عشرين ليتحقق قضاء العشر في رمضان انتهى، وأقوى من ذلك أنه إنما اعتكف في ذلك العام عشرين لأنه كان العام الذي قبله مسافراً، ويدل لذلك ما أخرجه النسائي وللفظ له وأبو داود وصححه ابن حبان وغيره من حديث بن أبي بن كعب - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فسافر عاماً فلم يعتكف فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين، وقال في موضع آخر: ويحتمل أيضاً أن يكون السر في ذلك أن رمضان من السنة الأولى لم يقع فيه مدارسة لوقوع ابتداء النزول في رمضان ثم فتر الوحي، ثم تتابع، فوقعت المدارسة في السنة الأخيرة مرتين ليستوي عدد السنين والعرض، ويحتمل تعدد هذه القصة بتعدد السبب، فيكون مرة بسبب ترك الاعتكاف لعذر السفر، ومرة بسبب عرض القرآن مرتين" (١).
وقد ظهر أن من بين الأقوال الخمسة المذكورة في التعليل لاعتكافه عشرين يوماً قولان يرجعان إلى علاقة الاعتكاف بالقرآن الكريم.
وهل كانت المعارضة تتم قبل أن يُفرض صيام رمضان ؟ الظاهر من قول ابن عباس - رضي الله عنه - :(وكان جبريل - عليه السلام - يلقاه كل ليلةٍ في رمضان حتى ينسلخ [كان يلقاه في كل سنة في رمضان]) (٢) –أن المعارضة كانت تتم في كل رمضان حتى قبل أن يفرض صيامه، ويقوي ذلك رواية (من)؛ فإن (من) هاهنا إما لابتداء الغاية الزمانية على قول من يجيزها أي من ابتداء شهر رمضان فيه بعد نبوته إلى آخر رمضان قبل وفاته، وفيه إدماج معنى الحرفين في التقدير، أو أن (من) لبيان الجنس فيصدق على جميع رمضانات النبوة (٣).

(١) فتح الباري ٤/٢٨٥، مرجع سابق.
(٢) صحيح مسلم٤/١٨٠٣، مرجع سابق.
(٣) انظر: في معاني (من): مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ١/٣١٩، مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon