٣- الظهور: ففي مختار الصحاح: "عرض له كذا أي ظهر، وعرضته له أظهرته له وأبرزته إليه" (١)... فإظهار القرآن، وإبرازه من النبي - ﷺ - لجبريل - عليه السلام -، والعكس يعني إظهار ألفاظ القرآن لفظاً لفظاً من الشيخ لتلميذه ومن التلميذ على (٢) شيخه، ويؤكد هذا العرض الدقيق ما جاء في معنى مادة عرض: "عرض الجند إذا أمرهم عليه ونظر في حالهم" (٣)، وهذه غايةٌ في الدقة في وصف تثبيت ألفاظ القرآن الكريم في قلب النبي - ﷺ -، ولا يَرِدُ على هذا التقرير احتمالية أن يكون ما كان يعرضه الرسول - ﷺ -، أو ما كان يعرض عليه هو معاني القرآن وأمور الشريعة؛ إذ لو كان الأمر كذلك لقيل يعرض عليه الشريعة أو نحوها من العبارات، ولا يخصص القرآن بالذكر.
فإن اعتُرض بأن: القرآن هو الشريعة كلها نصاً أو تضمناً، فعبر به في الحديث عنها، فالمعروض هو أحكام الشريعة لا ألفاظ القرآن.
فالجواب: الدليل صحيحٌ، والاستدلال غير صحيحٍ؛ لأن تخصيص القرآن بالذكر في جميع الروايات يدل على اقتصار الكلام عليه، ولو أراد الكلام عن الشريعة أو الدين ونحوها لما عدل عن لفظها أو ما يدل عليه كما في قوله - عز وجل - ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا... ﴾ "الجاثية /١٨"، وكما في قول النبي - ﷺ - (هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم)، لم يقل قرآنكم... فتقرر بهذا أنه أراد لفظ القرآن بخصوص مفهومه.
ويمكن القول على طريقة السبر والتقسيم الأصولية:

(١) مختار الصحاح ١٧٨، مرجع سابق.
(٢) تضمن الفعل إظهار الطالب ما عنده معنى التصويب على ما عند الشيخ، لذا عُديَ فعُدي بـ(على).
(٣) لسان العرب ٩/١٣٨، مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon