إما أن يكون المعروض هو ألفاظ القرآن، وإما معانيه، وإما شيءٌ آخر، ولا جائزٌ أن يكون شيئاً آخر، لأن الكلام على القرآن، ولا جائزٌ أن يكون معاني القرآن لأنه لا يطلق عليها قرآنٌ عُرْفاً، فتعين أن المعروض هو ألفاظ القرآن.
فإن اعتُرض بالقول: فهل معنى ذلك أن النبي - ﷺ - لم يكن يعرض معانيه على جبريل - عليه السلام - ؟.
فالجواب: بل يحتمل أنه كان يعرضها، ولكن دلالة الحديث على عرضها بالتبع أو بالإشارة، لا بالقصد الأصلي... ولقد تمسك المسلمون بذلك في ظاهرة مذهلة تقدم التواتر العملي والعلمي المفيد للعلم الضروري في أن المعروض كان في المقام الأول هو ألفاظ القرآن (١)، وذلك كتمسكهم بشعائر الإسلام الضرورية كرمي الجمار على الرغم من آحادية نصوصها... فتقرر أن المعروض هو ألفاظ القرآن، وذاك مؤشرٌ على مقدار الحراسة التي كانت تحف ألفاظه.
فإن اعتُرض بأن: المعروض إنما هو القرآن من حيث النسخ وعدمه (٢) ويقويه حديث ابن عباس - رضي الله عنه -، فالجواب: ذاك بعض المعروض لا كله عند التنزل في إثباته... وإلا فمن ذا يعقل أن يعرض النبي - ﷺ - آياتٍ مبتورةً على جبريل - عليه السلام - هي الناسخة، دون عرض مواضعها وسورها ؟ على أن تصريح الصحابة، بأن النبي - ﷺ - عرض القرآن مرتين في العام الذي توفي بعده واضح في عرضه القرآن كله لا بعضه من أوله إلى آخره... ولا يعرف للعرض معنى غير هذا عند إطلاقه، وأجيال المسلمين تتوارث هذا المعنى فهماً وتطبيقاً، ولينبئهم بعلمٍ زاعمٌ غير ذلك.
(٢) على قول من يثبت النسخ.