والثالث: وهو المعروف عن مالك وعن سفيان الثوري: كلاهما سواء، وروى البخاري معلقاً عن الحسن البصري: "ما أبالي قرأت عليك، أو قرأت علي" (١).
وهذا كله في الحديث، وأما القرآن فإن قراءة الطالب على شيخه (العرض) هو الأصل، وهو المعروف عن السلف كما هو المعمول به إلى الآن، ولذا احتج مالك على من لم يُجْز العرض في الحديث بجوازه في تلاوة القرآن "فيما رواه الخطيب في الكفاية من طريق ابن وهب قال: سمعت مالكاً، وسئل عن الكتب التي تعرض عليه: أيقول الرجل حدثني ؟ قال: (نعم! كذلك القرآن، أليس الرجل يقرأ على الرجل فيقول: أقرأني فلان؟)، وروى الحاكم في علوم الحديث من طريق مطرف قال: صحبت مالكاً سبع عشرة سنة، فما رأيته قرأ الموطأ على أحد، بل يقرأون عليه -قال-: وسمعته يأبى أشد الإباء على من يقول: لا يجزيه إلا السماع من لفظ الشيخ، ويقول: كيف لا يجزيك هذا في الحديث، ويجزيك في القرآن، والقرآن أعظم ؟" (٢).
وأما معارضة النبي - ﷺ - ألفاظ القرآن على جبريل - عليه السلام - فقد اتسمت بسمتين:
السمة الأولى: أنها أتت بعد خطوات الحفظ التي أولها خطوات التلقين... والمقتضى المنهجي لذلك جعل المعارضة مرتبة تالية للمتقنين لتأكيد الحفظ، وتثبيت مخارج الحروف، والتأكد من وجوه الأداء، وبقاء كل ذلك على الدوام دون تطرق خللٍ له بفعل الأمد، فالمعارضة هي غاية التحقيق.
والسمة الثانية: أنها جمعت بين السماع والعرض، فأزالت قوادح كل طريقةٍ على حدة:
أما العرض (من النبي - ﷺ - على جبريل - عليه السلام - عرض الطالب على شيخه) : فقد جاء في رواية البخاري: (يعرض عليه النبي - ﷺ - ) وعليها أغلب الروايات.

(١) الأثر: رواه البخاري ١/ ٣٥، وانظر: فتح الباري ١/١٥٠، مرجع سابق.
(٢) انظر: فتح الباري ١/١٥٢، مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon