وأما السماع (من النبي - ﷺ - لجبريل - عليه السلام - سماع الطالب لشيخه) : فقد جاءت بقية الروايات مبهمة فاحتملت العرض والسماع، وتأكد ذلك بروايات المفاعلة (يعارض، يدارس ونحوها)، والمفاعلة لا تكون إلا من طرفين غالباً (١)، ووردت روايات مصرحة بالسماع، منها ما رواه البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (كان يعرض على النبي - ﷺ - القرآن كل عامٍ مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف كل عام عشراً فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه) (٢).
ويزيد الأمر تأكيداً أن القراء والمحدثين لا يستخدمون إلا لفظ (يعرض) للتعبير عن المراد لتصل أعلى درجات الاحتياط في نقل ألفاظ القرآن الكريم، وذا ما فهمه الإمام النسائي فبوب في سننه الكبرى: "باب عرض جبريل - عليه السلام - القرآن" (٣)، ومن قبله الإمام
(١) وقد تستخدم في فاعل واحد مثل عاقب وداوى وسافر | ولكن هذا استثناء، وذاك أصل. |
(٣) ورواية صحيح ابن خزيمة ٣/ ١٩٣، مرجع سابق، فيها إجمال يؤيد هذا الاستنتاج، ففيها: (يأتيه جبريل فيعرض عليه القرآن)،... فيستأنس بذلك على المطلوب، ويصير هذا في حيز الثبات بحديث عائشة -رضي الله تعالى عنها -عن فاطمة في المعارضة، حيث قالت: (إن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة، وإنه قد عارضني به مرتين) قال ابن حجر-رحمه الله تعالى- في فتح الباري (٩/ ٤٣): "والمعارضة مفاعلة من الجانبين، كأن كلاً منهما كان تارة يقرأ والآخر يستمع".