إذ قد حُسِمَ أمر عرضه للقرآن كله (لكل ما نزل منه) في كل رمضان بحديث العرضتين الثابت عن ابن عباس، وفاطمة، وأبي هريرة - رضي الله عنه - رضي الله تعالى عنهم، وفي ذلك دلالة على أمرين:
... أنه - ﷺ - كان يعرض كل ما نزل، وأنه كان يقسم ذلك العروض على ليالي رمضان (١)، ويدل لذلك حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أن رسول الله - ﷺ - قال: (أقرأني جبريل على حرف فلم أزل أستزيده حتى انتهى إلى سبعة أحرف) (٢).
كما لم تُبْقِ روايات العرض مجالاً لما احتمله ابن حجر-رحمه الله تعالى- (٣) من أن العرض محتملٌ أن يقسم ما نزل من القرآن في كل سنة على ليالي رمضان؛ إن أراد به أنه لا يقرأ إلا ما نزل في تلك السنة، أما إن أراد به أنه يخصص لكل ما نزل ليلة فذاك أبعد من حيث زيادة عدد الليالي على عدد سنوات النزول، ومن حيث أن أهداف العرض تأكيد تأليف آياته على ما أراد الله - سبحانه وتعالى -، لا على ترتيب نزولها، وهما مختلفان كما هو معلوم... فيظل احتمالاً بعيداً، وإن افترض... وبذا يُحْسَمُ أمر عرضه - ﷺ - لكل ما نزل من القرآن (٤).

(١) وقد صرح ابن حجر-رحمه الله تعالى- ببعض ذلك في فتح الباري ٩/٤٥، مرجع سابق، فقال: "ولولا التصريح بأنه كان يعرضه مرة واحدة، وفي السنة الأخيرة مرتين -لجاز أنه كان يعرض جميع ما نزل عليه كل ليلة، ثم يعيده في بقية الليالي".
(٢) البخاري ٣/١١٧٧، مرجع سابق.
(٣) فتح الباري ٩/٤٥، مرجع سابق.
(٤) لم يتكلم الباحث عن العرضة الأخيرة كلاماً مستقلاً؛ لاستحقاقها تأليفاً مستقلاً في حقيقتها، وإثبات بعض أحكام الألفاظ بها، وخطورة بناء حكم عليها، وذلك مُخْرِجٌ البحث عن مرامه، وإنما وردت الإشارة إليها في ثنايا الكلام.


الصفحة التالية
Icon