وقد يعترض معترضٌ بأن ما سبق مما يُفهم منه تفخيم الاعتناء باللفظ ينافي ما رواه الإمام مالك عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال لإنسان: "إنك في زمان كثيرٌ فقهاؤه، قليلٌ قراؤه، تحفظ فيه حدود القرآن، وتضيع حروفه، قليلٌ من يسأل، كثيرٌ من يعطي، يطيلون فيه الصلاة، ويقصرون الخطبة، يبدءون أعمالهم قبل أهوائهم، وسيأتي على الناس زمان قليلٌ فقهاؤه، كثيرٌ قراؤه، تحفظ فيه حروف القرآن، وتضيع حدوده، كثيرٌ من يسأل، قليلٌ من يعطي، يطيلون فيه الخطبة، ويقصرون الصلاة، يبدءون فيه أهواءهم قبل أعمالهم" (١)، وقد أورد أبو إسحاق الشاطبي -رحمه الله تعالى- هذا الأثر في معرض الاستدلال (٢).
والجواب من وجوه:
١. أن الشأن أولاً في صحة هذا الأثر من حيث السند، ثم من حيث المتن، فأما سنده فمنقطع حيث جاء في الموطأ:
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عبد الله بن مسعود، فقد ضَعُفَ من حيث السند.
٢. ومن حيث المتن -على فرض صحة السند واتصاله- فإن نكارة موضع الشاهد منها واضح؛ حيث لم تَرِد في بقية طرق الأثر، فقد ورد في موضعٍ آخر من الموطأ والمعجم الكبير دون موضع الشاهد، كما أنها فاسدةٌ معنى عند أخذها على ظاهرها؛ إذ كيف تحفظ حدود القرآن، وحروفه مضيعة.
(٢) انظر: الموافقات ٢/١٧٣، مرجع سابق.