فإن اعتُرض بأن روح القرآن باقية -أي مقاصده الكلية- وإن ذهبت ألفاظه.
فالجواب: في إطلاق هذا القول نظر إن أطلقنا القول بضياع حروفه، وهل نعرف روحه دون تأكدنا من حروفه؟، فإن سُلِّم ذلك فمقاصده المزعوم بقاؤها حروفٌ في ذاتها فيعاد الكلام عليها جَذَعَةً.
على أن حروفه تلك:
إما أن تكون متغيرة، وإما أن تكون منعدمة وإما أن تكون قائمةً بالنفس، وإما أن تكون ثابتة:
فالأول: وهو ما كانت حروفه متغيرة لا يعتبر شرعاً صالحاً للبشر لعدم انضباطه، أو ظهور معالمه فضلاً عن أن يكون شرعاً إلهياً.
والثاني: وهو ما كانت حروفه منعدمةً، أو قائمةً بالنفس فلا يتعلق به حكم؛ لأنه معدوم.
والثالث: متعينٌ بعد ما سبق، وهو المراد.
ولو صح هذا الزعم القائل بأن"الألفاظ مجرد وسائل فلا تقدس في ذاتها، بل الأمر متجه إلى روح القرآن ومقاصده"، لصح أن يقال من بابٍ أولى: فلا داعي لتقديس جميع الوسائل العلمية والعملية في الحياة، فتعطل دراسة اللغة العربية للحجة ذاتها، ومثلها سائر علوم الوسائل، ولا يحتاج لدراسة العلوم الطبية؛ لأن المقصد شفاء المريض! ولا يُدْرَى كيف سيُشفى؟!، ولا داعي لاستخدام أداةٍ لارتقاء السقف؛ لأن الهدف الوصول إلى السقف؟!، ولا تدري كيف سيصل؟!، لتحدث -بعدُ- فوضى ضاربة في الحياة العلمية والعملية.


الصفحة التالية
Icon