فإذا تأمل القارئ نقل جبريل - عليه السلام - هاهنا، وشغل ذهنه بكيفية نقله للقرآن -أخبت قلبه لما سبق ذكره من الدقة البالغة في تلقي النبي - ﷺ - ألفاظ القرآن من جبريل - عليه السلام -، وتعليم جبريل - عليه السلام - إياه ذلك.
٢- الدقة في نقل أحداث المستقبل: فقد روت أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله - ﷺ - اضطجع ذات ليلة للنوم، فاستيقظ وهو حائرٌ، ثم اضطجع، فرقد، ثم استيقظ وهو حائرٌ، دون ما رأيت به المرة الأولى، ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقلبها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال: (أ خبرني جبريل - عليه السلام - أن هذا يقتل بأرض العراق) –للحسين- فقلت لجبريل: أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربتها) (١).
وهل التربة الحمراء أهم من نقل أداء ألفاظ القرآن؟.
غير أن الدقة هي السمة الدائمة لعمل جبريل - عليه السلام - وتعليمه، حتى اتسعت لتعليم الصلاة عملياً: فعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ - :(أَمَّني جبريل - عليه السلام - عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك، وصلى بي العصر حين كان ظله مثله، وصلى بي يعني المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل، وصلى بي الفجر فأسفر، ثم التفت إلي فقال: يا محمد! هذا وقت لأنبياء من قبلك والوقت ما بين هذين الوقتين) (٢).

(١) المستدرك على الصحيحين٤/٤٤٠، مرجع سابق، وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي... ".
(٢) سنن أبي داود ١/١٠٧، مرجع سابق، قال الشيخ الألباني: "حسن صحيح"، وأصله في صحيح البخاري ١/١٩٥ مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon