... وكونه كان في مقام الوزير، لا يعني أنه الوزير المنفذ المتلقي للأوامر، بل كان كان كثيراً ما يكون المشير الآمر شأن المعلم مع المتعلم، فقد كان ابن عباس - رضي الله عنه - يحدث أن الله-تبارك وتعالى- أرسل إلى نبيه - ﷺ - ملكاً من الملائكة ومعه جبريل، فقال الملَك: (إن الله يخيرك بين أن تكون عبداً نبياً، وبين أن تكون ملكاً، فالتفت رسول الله - ﷺ - إلى جبريل - عليه السلام - كالمستشير فأشار جبريل بيده أن تواضع، فقال رسول الله - ﷺ - :(بل أكون عبداً نبياً، قال فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئاً) (١).
رابعاً: الناصح ابتداء: فلم يقتصر دور جبريل - عليه السلام - على المتابعة، بل كان يقوم بنصحه ابتداء: فعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: جاء جبريل - عليه السلام - إلى النبي - ﷺ - فقال:(يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، ثم قال: يا محمد! شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس) (٢). وهذه نصائح ابتدائية، كما هي متابعةٌ في أبواب الزهد والرقائق توضح العلاقة المثالية للمعلم بتلميذه.
خامساً: وتجري بينهما المناقشة والمباحثة: عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه - رضي الله عنه - وكان أبوه من أهل بدر- قال: جاء جبريل - عليه السلام - إلى النبي - ﷺ - فقال: (ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين –أو كلمة نحوها – قال وكذلك من شهد بدر من الملائكة) (٣).
(٢) المستدرك على الصحيحين٤/٣٦٠، مرجع سابق، وقال: "هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، وقال الذهبي: "صحيح".
(٣) صحيح البخاري ٤/١٤٦٧، مرجع سابق.