ومن بعيدٍ نراك –يا نبيَ الأمة وسيدها - ﷺ -... نراك هائمين محبين... ليس الهيام بك وجبريل لشخصيكما فحسب –وإن كان ذلك الهيام هو الشرف الأرفع-، ولا الحب لصحبتكما –وإن كان ذلك الحب هو السنى الأعلى-... إنما الهيام والحب –مع ذلك-لاتصال أهل الأرض بخبر السماء... فيا لوعتاه على انقطاعه –وإن كان الرؤوف الرحيم لم يتركنا بعدكما عالة-... فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال أبو بكر - رضي الله عنه - –بعد وفاة رسول الله - ﷺ - لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها، كما كان رسول الله - ﷺ - يزورها، فلما انتهينا إليها بكت. فقالا لها: ما يبكيك؟! ما عند الله خيرٌ لرسوله - ﷺ -. قالت: ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خيرٌ لرسوله - ﷺ -، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء... فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها (١).
أرقت فبات ليلي لا يزولُ..... وليل أخي المصيبة فيه طولُ
وأسعدني البكاء، وذاك فيما..... أصيب المسلمون به قليلُ
فقد عظمت مصيبته، وجلت..... عشية قيل قد قُبِضَ الرسولُ
وتصبحُ أرضنا مما عراها...... تكاد بنا جوانبُها تميلُ
فقدنا الوحي والتنزيل فينا....... يروح به ويغدو جبرئيلُ
لمبحث الرابع:
التو قيفية في غير أداء القرآن:
يرمي هذا المبحث إلى ذكر نماذج من التوقيفية الإلهية في غير أداء القرآن الكريم، مما هو أقل شأناً من أداء اللفظ القرآني، أو مماثلٍ له في أقل الأحوال؛ وذلك تأييداً للتوقيفية في أداء اللفظ:
واشتد حرص البحث هاهنا على ما سبق من منهج البحث من أنه لا يورد إلا ما فيه ذِكْرٌ لجبريل - عليه السلام - بجامع أن كلاً من الأمرين (أداء اللفظ القرآني، وغيره من أمور الدين) معلمه هو جبريل - عليه السلام - :

(١) مسلم ٤/ ١٩٠٧، مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon