بل كان لا يحدث شيئاً يتصل بالدين من تلقاء نفسه، حتى فيما يمكن دخوله في النصوص العامة، فعن رافع بن خديج - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - ﷺ - بأخرة إذا اجتمع إليه أصحابه، فأراد أن ينهض قال: (سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك، عملت سوءاً، وظلمت نفسي، فاغفر لي؛ إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) –قال- فقلنا: يا رسول الله!إن هذه كلماتٍ أحدثتهن؟ قال: (أجل! جاءني جبريل - عليه السلام - فقال: يا محمد! هن كفارات المجلس) (١)، فإحداثه لهن ليس أمراً من عند نفسه كما ظهر.
وكان - ﷺ - يأبى الإجابة على سؤال فرعي حتى يستأمر جبريل - عليه السلام - فيه، كما سبق، وعن جبير ابن مطعم - رضي الله عنه - أن رجلاً أتى النبي - ﷺ - فقال: يا رسول الله! أي البلدان شر؟ فقال: (لا أدري)، فلما جاءه جبريل - عليه السلام - قال: (يا جبريل! أي البلدان شر؟ قال: لا أدري حتى أسأل ربي - عز وجل -، فانطلق جبريل، فمكث ما شاء الله، ثم جاء، فقال: يا محمد! إنك سألتني أي البلدان شر، فقلت: لا أدري، وإني سألت ربي - عز وجل - : أي البلدان شر، فقال: أسواقها) (٢).
فإن كان يأبى أن يفسر القرآن إلا بوحيٍ وهو فرع اللفظ، فليكن كذلك فيما هو فرع أقرب للفظ من المعنى، وهو أداء ذلك اللفظ.
وإن كان يأبى إحداث ذكرٍ يناسب الحال، وهو فرع تعقل المعنى في النصوص العامة، فكيف بفرع ألفاظ هذه النصوص العامة مما لا مجال فيه للعقل، وهو أداؤها؟.
وإن كان لا يحدث شيئاً من تلقاء نفسه في التكليفات الفرعية، فليكن الأمر كذلك في فروع الألفاظ، وجامع كل أنه فرع.
(٢) مسند أبي يعلى ١٣/٤٠٠، مرجع سابق.