وهذا عند فقدان نصوص توقيفية الأداء، فكيف وقد اتسعت هذه النصوص حتى شملت الهيئة الشخصية للمتلقي؟ (١).
ولا يعترض بأن هذا تهويلٌ لما يجانبه التهويل؛ إذ ليس خطب أداء اللفظ كخطب ما قيس عليه، لأنه يجاب بأن أداء اللفظ يحيل المعنى غالباً، إذ إن إدغام النون في الصاد من (صنوان) لتصير صوان محيلٌ لمعناها من الصنو إلى غيره، وإبدال الهمز في رئياً لتصير رياً ملبسٌ معناها بري الظمآن، بعد أن كانت صريحة في الرؤية، وكلها وجوهٌ أدائية كما هو مقرر عند علماء القراءات... ؟ فلا تهويل ثَمَّ، بل هو وضعٌ للأمور في نصابها (٢).
المبحث الخامس:
الحفظ في الصدر:
للأهمية البالغة التي نالها حفظ القرآن في الصدر من بين مفردات تلقي النبي - ﷺ - ألفاظ القرآن على جبريل - عليه السلام - ؛ فقد لزم إفراد هذا الموضوع بمبحثٍ مستقلٍ يسبر غوره، ويحلل بعض جوانبه، ولذا انعقد هذا المبحث متألفاً من مقدمة وثلاثة مطالب:
المقدمة: الواجبات التي كانت على النبي - ﷺ - بالنظر إلى لفظ القرآن.
المطلب الأول: تأصيل لفظة (الحفظ).
المطلب الثاني: متضَمَّنات الحفظ.
المطلب الثالث: هل كان الحفظ واجباً على النبي - ﷺ - ؟.
المقدمة: الواجبات التي كانت على النبي - ﷺ - بالنظر إلى لفظ القرآن: هي كما يلي بناءً على ما سبق:
١ - سماعه - ﷺ - ألفاظ القرآن من جبريل - عليه السلام -.
٢ - قراءته - ﷺ - كما قرأه جبريل - عليه السلام - (لفظاً وأداء).
(٢) وقد ذُكِرَ في المبحث الثامن من الفصل الثالث ص١٦٥ أن أداء اللفظ ينقسم إلى قسمين: أصليٌ، وفرعيٌ فالأصلي يحيل تغيره المعنى قطعاً، والفرعي قد يحيل المعنى كما في الأمثلة المذكورة أعلاه، وقد لا يحيل كتعاقب الفتح والإمالة على الكلمة.