١ - أول سورة نزلت عليه هي سورة اقرأ باسم ربك (١) : فبدايتها ﴿ اقْرَأْ ﴾، فأنى له بالقراءة وقد قال ربه - عز وجل - عنه: ﴿ مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ ﴾ "الشورى/٥٢"، وذاك موجبٌ قراءته من حفظه، فقوله - سبحانه وتعالى - :﴿ اقْرَأ ﴾ أمر بالقراءة، والقراءة نطقٌ بكلامٍ معينٍ مكتوب، أو محفوظٍ عن ظهر قلبٍ، والأمر بالقراءة مستعملٌ في حقيقته من الطلب لتحصيل فعلٍ في الحال أو الاستقبال، فالمطلوب أن يقرأ ما سيُقرأ عليه، وفي حديث عائشة –رضي الله تعالى عنها– في بدء الوحي :(فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده) (٢) أي فرجع بالآيات التي قُرِئَتْ عليه ليحفظها لا ليكتبها أي رجع متلبساً بها، أي بوعيها، وهذا يدل أن رسول الله - ﷺ - تلقى ما أوحي إليه، وقرأه حينئذٍ، ويزيد ذلك إيضاحاً قولها في الحديث ذاته (فانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل، فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك) أي: اسمع القول الذي أُوحي إليه، وهذا ينبئ بأن رسول الله - ﷺ - عندما قيل له بعد الغطة الثالثة ﴿ اقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ الآيات الخمس كان قد قرأها ساعتئذٍ، كما أمره الله - سبحانه وتعالى -، أو حفظها على الأقل، ورجع من غار حراء إلى بيته يقرؤها، وعلى هذا يكون قول الملك له في المرات الثلاث ﴿ اقْرَأ ﴾ إعادةٌ للفظ المنزل من الله - عز وجل -، إعادةَ تكريرٍ للاستئناس بالقراءة التي لم يتعلمها من قبل (٣)، ولم يُذْكَر لفعل ﴿ اقْرَأ ﴾ مفعولٌ؛ إما لأنه نُزِّل منزلة اللازم، وأن المقصود أوجد القراءة، وإما لظهور المقروء من المقام، وتقديره: اقرأ ما سنلقيه إليك من القرآن (٤).
(٢) صحيح البخاري ١/٣، مرجع سابق.
(٣) وهذا المعنى لا ينافي غيره من المعاني التي لا تتضاد.
(٤) انظر: التحرير والتنوير ٣٠/٤٣٤، مرحع سابق.