فبعد إلقاء جبريل - عليه السلام - القرآن على النبي - ﷺ - يكون النبي - ﷺ - قد حفظه في صدره، ويسهل إدراك أن قوله - سبحانه وتعالى - ﴿ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ ﴾ بمعنى أن تقرأه (١)، لا يراد منه القراءة من الأوراق، ولا من المصحف بل يعني القراءة من المحفوظ في الصدر؛ إذ لم يقرأ النبي كتاباً، وليس بقارئ، وما كان يدري ما الكتاب، وكذلك فإن جمعه في صدره يعني الحفظ في الصدر.
وهذه حقيقةٌ من حقائق الاصطلاح الشرعي في هذا الباب: أن القراءة في حق الرسول - ﷺ - تعني قراءته من محفوظه، كما يظهر مما سبق.
فإن اعتُرض بأن: ذا كان جائزًا أول الأمر قبل التبليغ، أما استمرار حفظه بعد فلا؟.
فالجواب: إن لم يجب استمرار الحفظ، فكيف يكون التذكير الذي هو جزءٌ من ماهية التبليغ؟وقد قال الله-تعالى ذكره-في معرض حصر مهمة النبي - ﷺ - :﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ﴾ "الغاشية /٢١".
وعند النظر في الشريعة يستبين أن من أهم أسماء القرآن (الذكر)، والذكر عامٌ للناس كلهم ﴿... وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ... ﴾ "النحل/٤٤"، وخاصٌ للمؤمنين ﴿... فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ "ق/٤٥"، وذلك كله مستلزمٌ للتذكير بما يريده الله - سبحانه وتعالى - المقتضي لاستمرارية الحفظ... ولذا كان جبريل - عليه السلام - يدارس النبي - ﷺ - القرآن كل عام، فإن لم يكن هذا دليلاً على وجوب الاستمرار لحفظ القرآن فعلى ماذا يدل هذا؟.
٧ - قوله - عز وجل - :﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾ "ق/٩": والحفظ لا يتم للقرآن خارج النواميس الإلهية، وذلك أمران: