أ - ما يتم بالقدرة الإلهية المحضة، وهو مشاهدٌ ملموسٌ؛ إذ قد أحاط بالكتاب الكريم من المكر الكبار ما كادت أن تميد منه الجبال، ولا تكفي القدرة الإسلامية المتمحض بشريتها لصده، خاصة في فترات الاستضعاف... وعلى الرغم من ذلك يظل الكتاب الكريم محتفظاً بثبات لفظه، وازدياد رسوخ نصه.
ب - ما شرفت الأمة بالتكليف به؛ إذ هي وارثة الكتاب، وقد قال الله - سبحانه وتعالى - :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا... ﴾ "فاطر/٣٢"، ولئن استُحْفِظَ أهل الكتاب السابقين على ما نزل إليهم، لذاك كائنٌ أوجب في حقنا، وقد قال الصاوي –رحمه الله تعالى-: "... سيما، وقد جعل الله له خَدَمَةً من البشر يحفظونه" (١)، وقال صاحب التحرير والتنوير: "حتى حفظته الأمة عن ظهور قلوبها من حياة النبي - ﷺ - " (٢)، بيد أن هذه الأمة المشرفة قد ميزها الله - سبحانه وتعالى - بتوليه حفظ الكتاب بذاته، وواضحٌ عدم المنافاة بين ذلك وإيجاب حفظه على الأمة، بل وجوب حفظه على الأمة هو أول أدلة واقعية الحفظ الإلهي له....
وقد اتضح وجه الدلالة: من الآية على وجوب حفظ النبي - ﷺ - للقرآن هو: دخوله في الأمة دخولاً أولياً (٣).
٨ - قوله تعالى: ﴿... وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ "طه/١١٤".
وجه الدلالة: حرصه - ﷺ - على حفظ القرآن، مع تكليفه بالرسالة، يستلزم وجوب حفظ القرآن عليه...
(٢) التحرير والتنوير ١٤/٢٠، مرجع سابق.
(٣) وذلك بغض النظر عن الخلاف في القاعدة الأصولية في دخول النبي - ﷺ - في خطاب أمته، وتأتي الإشارة إليها بعد ق ليل.