٣ - بمعرفة طبيعة الوحي القرآني: إذ حقيقته كلام الله - عز وجل - الذي أنزل إلى الأرض لينذر به من حضر، ومن بلغ، وهذا يقتضي الديمومة والبقاء والهيمنة... وإذا كانت هذه ماهيته، فيستحيل طروء تغيير فيه من خارج مكان إنزاله، ولذا ورد في سورة التكوير الربط بين نفي ما وجه إلى الرسول الأكرم - ﷺ - وبين طبيعة الوحي ﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴾ "التكوير/٢٧"، وكذلك في سورة النجم حيث نفى طعن الطاعنين في الوحي الذي يتلوه رسول الله - ﷺ - بقوله - سبحانه وتعالى - ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى*وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى ﴾ "النجم /٢-٣"، ثم بَيَّنَ طبيعة الوحي بقوله - عز وجل - ﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴾ "النجم/٤"، فدعوى التخيل فيه مضاد لطبيعته، وهذا التقرير يكون لمن يُسَلَّمُ بالوحي ابتداء، ثم يعتريه إرجاف المرجفين؛إذ لو استجاب للشبهة لوصل إلى خُلْفٍ من القول: بأن يُسَلَّمَ بالوحي القرآني ويعرف طبيعته، ثم ينقضه بقبول المرجفات حوله.
وما سبق كان حفظاً للمُنْزَل، ونفياً لأي دخل من خلال القرآن المُلْقَى، فتصوره كافٍ في نفي ما يظنه المتخرص رجماً بالغيب، وثَمَّ حفظٌ للنازل به، والمُنْزَل عليه، ونفيٌ لأي قدحٍ في صحة تلقي اللفظ القرآني، ودقته من خلال ذلك، وهو ما يأتي:
٤ - بتأكيد الاتصال الحسي بين جبريل - عليه السلام - والنبي - ﷺ - وهو ما تراه في قوله - سبحانه وتعالى - :﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ﴾ "النجم /١١-١٢".