فالكذب يطلق على التخيل والتلبيس من الحواس، كما يقال: كذبته عينه (١)، وهم ولجوا له من باب التخيل مجادلة أو جحوداً، إذ قراءة ﴿ تُمَارُونَهُ ﴾ (٢) من المراء وهي المجادلة، وقراءة ﴿ تُمْرُونَهُ ﴾ من مراه إذا جحده، كأنه قال: بعضكم يجادله، وبعضكم يجحده، كما هو المعتاد في توزيع الأدوار المخطط أو التلقائي في عالم المعاندين.
فالأظهر أن قوله تعالى ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ "النجم/١١"، تدور حول معنيين:
أحدهما: أن هذا ردٌ لتكذيبٍ من المشركين فيما بلغهم من الخبر عن رؤية النبي - ﷺ - الملَك جبريل - عليه السلام -، وهو الذي يؤذن به قوله -بعد- ﴿ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ﴾ و ﴿ ال ﴾ في قوله ﴿ الْفُؤَاد ﴾ عوضٌ عن المضاف إليه، أي فؤاده، وعليه فيكون تفريع الاستفهام في قوله ﴿ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ﴾ استفهاماً إنكارياً لأنهم ماروه.
والآخر: أن يكون ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ تأكيداً لمضمون قوله ﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴾ لرفع احتمال المجاز في تشبيه العرب، أي هو قربٌ حسيٌ، وليس مجرد اتصالٍ روحاني، فيكون الاستفهام في قوله ﴿ أفَتُمَارُونَهُ ﴾ مستعملاً في الفرض، والتقدير: أفستكذبونه فيما يرى بعينيه، كما كذبتموه فيما بلغكم عن الله - سبحانه وتعالى - (٣).
(٢) قرأ (تمارونه) بإثبات الألف أبو عمرو وابن كثير ونافع وابن عامر وأبو جعفر وعاصم من العشرة، والبقية بحذف الألف. انظر: طيبة النشر في القراءات العشر، مرجع سابق، عند قول الناظم في سورة النجم: (تمروا تماروا حبر عم نصنا).
(٣) انظر: التحرير والتنوير ٢٦/٩٩، مرجع سابق.