ولا يستبعد شمول وصف ﴿ ذِي قُوَّةٍ ﴾ "التكوير/٢٠" لذلك كله؛ إذ يقتضي ذلك إطلاقُها، وعدم تقييد النكرة ﴿ قُوَّةٍ ﴾ بشيء! بل ذلك هو الأظهر، ويُستظْهَرُ هذا المعنى حتى يصير في حيز الحقيقة المقررة: بمجيء كلمة (قوة) مجموعة في قوله - عز وجل - ﴿... شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ "النجم/٥"، ومن حيث خصوص مناط البحث فإنه يظهر من خلال هذا الوصف قوته في أداء هذه الأمانة الشاملة لكل أنواع القوة.
والمراد الكلي من هذا الوصف: قدرته على أداء مهمته التعليمية، فـ ﴿ ذِي قُوَّةٍ ﴾ يعني أن جبريل - عليه السلام - ما كُلِّف به من أمر غير عاجز (١).
ويدخل في هذه القوة دخولاً أولياً:
أ- قوة الحفظ.
ب- وقوة الوصول إلى الرسول من البشر.
ج- وتلطف المجيء، له بما يحتاج من خصال يحتاجها الملك، ليعوض بها ضعف البشر عن إدراك الملأ الغيبي؛ لذا قال الشوكاني: "ذي قوة شديدة في القيام بما كلف به" (٢).
د- وقوة البدن المتعددة المناحي لازمة للتنقل بين هذه المسافات الهائلة في وقته الذي أمر بالتبليغ فيه بشكل دقيق، قال الصاوي –رحمه الله تعالى – ذاكراً بعض قوته: "فكان من قوته: أن اقتلع قرى قوم لوط من الماء الأسود (٣)، وحملها على جناحه فرفعها إلى السماء، ثم قلبها، وأنه صاح بثمود صيحة فأصبحوا جاثمين، وأنه يهبط من السماء إلى الأرض، ثم يصعد في أسرع من رد الطرف" (٤).

(١) انظر: تفسير الطبري ٣٠/٨٠، مرجع سابق.
(٢) فتح القدير ٥/٤٨١، مرجع سابق.
(٣) لعله يعني البحر الميت؛ إذ هو موضعهم... أو النفط الأسود؛ إذ أن موضعه غائر في الأرض أكثر من الماء... فعبر بموضعه دلالة على اجتثاث القرى من أصلها في الأرض.
(٤) حاشية الصاوي ٤/٣٨٩، مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon