... وهذا الأخير الذي ذكره الصاوي هو المراد، وما قبله خادم للإيراد، وتناقل المفسرون هذا المعنى في أداء الرسالة التي كلف بها جبريل - عليه السلام - على أتم وجه وأتقنه، بل جعل ذلك الإتقان هو طبيعة جبريل - عليه السلام -، فقوله ﴿ كَرِيمٍ ﴾ يحتمل أن تكون الصفة المشبهة تدل على الطبيعة والسجية الذاتية لا المتكلفة (١)، "فالقوة حقيقتها مقدرة الذات على الأعمال العظيمة التي لا يقدر عليها غالباً، وتطلق مجازاً على ثبات النفس على مرادها، والإقدام على رباطة الجأش قال - عز وجل - ﴿ يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ "مريم/١٢" ﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ﴾ "البقرة/٦٣"، فوصف جبريل - عليه السلام - بـ ﴿ ذِي ﴾ قوة يجوز أن يكون شدة المقدرة، كما وصف بذلك في قوله ﴿ ذُو مِرَّةٍ ﴾، ويجوز أن يكون من القوة المجازية، وهي الثبات في أداء ما أرسل به، كما قال - سبحانه وتعالى - ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ "النجم/٥"؛ لأن المناسب للتعليم هو قوة النفس، ولذا وصف في النجم بـ ﴿ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾، والمراد بـ ﴿ الْقُوَى ﴾ استطاعته تنفيذ ما أمر الله - سبحانه وتعالى - به من الأعمال العظيمة القلبية والجسمانية، فهو الملك الذي ينزل على الرسل بالتبليغ، وقوته شملت قوة العقل، إضافة إلى قوة الجسم وقوة أداء المهمة، وإتقانها؛ولذا وصف بقوله ﴿ ذُو مِرَّةٍ ﴾، والمرة تطلق على الذات، وتطلق على متانة العقل، وأصالته، وهو المراد هنا، واتفق المفسرون على أن المراد جبريل - عليه السلام - " (٢).

(١) كما في فقيه من فقُه بضم القاف.
(٢) التحرير والتنوير ٣٠/١٥٥، مرجع سابق، وانظر: البحر المحيط ٨/١٥٤، مرجع سابق، وقد ذكر فيه عن الحسن أن "شديد القوى" هو الله، واستبعده، وكذا تفسير الشوكاني٥/١٣٠، مرجع سابق، وأورد ابن كثير ٤/٢١٠ قولاً لابن عباس وقتادة: "منظرحسن"، ثم قال: "ولا منافاة بين القولين".


الصفحة التالية
Icon