فإذا جُمِعَ هذا مع ما قرره أبو حيان -رحمه الله تعالى- في معنى صفة ﴿ كَرِيمٍ ﴾ وهو أنها صفة تقتضي نفي المذام؛ اتضحت إصرارية تثبيت قوة الحفظ وشدة الملكة التي بها يبلغ وحي ربه، وتعليمه رسول الله - ﷺ - القرآن الكريم تفصيلاً لكل حرف، وتبياناً لكل كلمة، من غير أن يقال أن ذلك مبالغ فيه، أو أنه ليس في مقدرة جبريل - عليه السلام - من حيث الحركة، أو من حيث الحفظ.
٣) ﴿ مُطَاعٍ ﴾ "التكوير/٢١":

فهو مطاع في ملائكة الله المقربين يصدرون عن أمره، وهو مؤكد لحقيقة ائتمارهم بأمره، ومن أسباب ذلك أنه أمين الوحي في السماء لأهل السماء -ويرد تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى- (١) ، ومن صور طاعة الملائكة لجبريل - عليه السلام - طاعة خازن السماء له، كما في حديث الإسراء (٢)، وذلك كله مؤثر في الشعور بمقدرة هذا المعلم.
٤) ﴿ أَمِينٍ ﴾ "التكوير/٢١": فهو أمين الأمانة التي تقتضي القيام بالتبليغ الذي يصل إلى درجة من الدقة حتى في هيئات الألفاظ الداخلية والخارجية، وقد اتخذت هذه الأمانة طابعين:
أ- طابع العموم في كل ما أؤتمن عليه: قال الطبري: "أمين عند الله على وحيه، ورسالته، وغير ذلك مما ائتمنه عليه" (٣).
ب- طابع الدقة والتفصيل: إذ يتسع أُفق فهمها ليشمل هيئات الألفاظ الداخلية فذلك مقتضى الإطلاق في وصفه بالأمانة هنا.
وأمانته من حيث الأصالة تتسم بسمتين:
(١) في المبحث الثالث من هذا الفصل.
(٢) ففيه: قال النبي - ﷺ - : فلما جئت إلى السماء الدنيا، قال جبريل - عليه السلام - لخازن السماء: افتح. قال: من هذا ؟ قال: هذا جبريل - عليه السلام - قال: هل معك أحد ؟ قال: نعم ! معي محمد - ﷺ - فقال: أرسل إليه ؟. قال: نعم. فلما فتح علونا السماء الدنيا... ) الحديث... صحيح البخاري ١/٣٠٠، مرجع سابق.
(٣) تفسير الطبري٣٠/٨٠، مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon