ومما يُتَفَطَن للتأمل فيه في قوله - عز وجل - في وصف جبريل - عليه السلام - :﴿ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ﴾ "التكوير/٢٠": تَوَسُطُ ﴿ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ ﴾ بين ﴿ ذِي قُوَّةٍ ﴾ و ﴿ مَكِينٍ ﴾، وسر ذلك: ليتنازعه كلا الوصفين على وجه الإيجاز، أي هو ذو قوة عند الله - عز وجل -، أي جعل الله - سبحانه وتعالى - مقدرة جبريل - عليه السلام - تخوله أن يقوم بعظيم ما يوكله الله - عز وجل - به مما يحتاج إلى قوة القدرة، وقوة التدبير، وهو ذو مكانة عند الله وزلفى.
٦) اقتصار مهمته في المحتوى العام على أنه رسول: فليس له من أمر مضمون الرسالة شيء، بل هو مبلغ له، كما أمر قال القرطبي: "إنه لقول رسول عن الله، كريم على الله" (١).
أفيحل لقائل أن يقول: يمكن أن يجتهد البشر في قول الله - عز وجل -، وقد منع منه جبريل - عليه السلام - ؟!.
٧) تمرسه على الرسالة التي تماثل هذا النوع: إذ يظهر من وصفه بقوله: ﴿ رَسُول ﴾ هذا التمرس على الرسالة، وذلك بدلاً من أن يقول لقول ملك كريم، ويتأكد هذا بأنه هو الذي كان ينزل على الأنبياء، كما قال ورقة بن نوفل: "هذا الناموس الذي أنزل على موسى" (٢)، وكما قال - سبحانه وتعالى - ﴿ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ﴾ "مريم/١٧"، ولا خلاف أنه جبريل - عليه السلام - هنا، ولذا جاء في تفسير التحرير والتنوير عند الكلام على سورة النجم: "وتخصيص جبريل - عليه السلام - بهذا الوصف يشعر بأنه المَلَك الذي ينزل بفيوضات الحكمة على الرسل والأنبياء، ولذلك لما ناول الملك رسول الله ليلة الإسراء كأس لبن وكأس خمر، فاختار اللبن قال له جبريل - عليه السلام - :(أخذت الفطرة ولو أخذت الخمر غوت أمتك)" (٣).

(١) تفسير القرطبي١٩/٢٤٠، مرجع سابق.
(٢) صحيح البخاري ١/٤، مرجع سابق.
(٣) التحرير والتنوير٢٦/٩٥، مرجع سابق، والحديث المذكور أخرجه الشيخان: البخاري ٦/٣٠٨، مرجع سابق، ومسلم ١/١٢٥، مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon